الجمعة، 26 أغسطس 2016

الأسود لا يليق بكِ




أطرد نفسًا عميقًا من صدري وأرجو أن يخرج معه الدخان الذي احتل رئتاي بالكامل، حتى ما عدت أجد الأكسجين الكافي لأبقى على قيد الحياة. أحاول أن أرى من خلال تلك البقع السوداء التي تملأ مجال رؤيتي، تستمر بمطاردتي، تغطي على ما خلفها، وتحتل الصورة تمامًا، حتى أستسلم وأغمض عيناي وأفكر في الأيام الخوالي، حين كنت أتمتع برؤية جيدة والقدرة على التنفس.

...

أجد نفسي وحيدة كليًا، أقضي الكثير من الليالي الخاوية، والأيام كذلك.
أفكر: لأكن وحيدة حرفيًا، لأهرب، لأدفن نفسي -معنويًا- في بيتٍ خالي، لا أميِّز فيه الليل من النهار، ولا الأيام من بعضها البعض. أقضي فترة زمنية لا أعرف طويلة كانت أم قصيرة. ثم أعود مجددًا لدائرة اللاشيء.
أحاول أن أنسى.
أحاول أن أتأقلم.
لكنني لا أرى إلا كل ما يدفعني للجنون.
أحاول ألا أفكر.
لا فائدة.
أعود إلى البيت الخالي.

...

تخبرني الطبيبة الرقيقة بإبتسامة هادئة أن كل ما أحتاج إليه هو أن أثق بنفسي.
تخبرني الطبيبة الرقيقة بإبتسامة هادئة أن كل ما أحتاج إليه هو شيء لن يحدث.

...



...

كريستينا يانج لم تكن يومًا شخصيتي المفضلة، بالعكس، لقد كرهتها. كنت أرى فيها كل شخص أكرهه في الواقع، المتدربة المجتهدة حتى السخافة، التي لا ترى لأي شيء أهمية سوى نفسها. التي لا تعرف كيف تكون في علاقة إنسانية واحدة سليمة.
الآن، كريستينا يانج هي الشخصية التي أتذكرها بوضوح.
عزيزتي كريستينا،
لقد علمتيني أن كل ما نراه أكبر فرصة في الحياة يمكنه ببساطة ألا يكون كذلك. هناك الكثير لنا في هذا العالم بإنتظار أن نبحث عنه، ما علينا سوى أن نعرف من أين نبدأ، أو أن نستطيع الحركة قبل ذلك.
علينا أن نعرف بالضبط ما نريد أن نحصل عليه، أما عن كيفية الحصول عليه فسيتكفل القدر بذلك.
تقول صديقتي الحسناء في مكانها السري الذي تكتب فيه عندما لا تجد شيئًا تفعله، أن المشكلة في إختلاف فهمنا للنجاح. وأن طموح كل شخص هو الذي يحدد ذلك، وبساطة هذا الطموح لا يجعل منك إنسانًا أقل. 
ألم يكن ذلك خلافِك مع ميريدث؟ كانت تريد عائلة مع نجاحها كطبيبة. وأنتِ رأيتِ ذلك طموحًا أقل؟
أنا لم يعد لي طموح.
أريد فقط أن أتعافى من الذي لا أستطيع أن أصفه، مثلك، عندما استطعتي أن تستمري بالحياة.
أريد أن أتعافى من الإستسلام.
الإستسلام صاحب الفضل في أن ننتظر إنتهاء اليوم، وننام بالأمل أن ينتهي كل ذلك بألا نستيقظ مجددًا.
لا نستطيع القيام بأي شيء مما أردنا فعله، لا نستطيع تحديد مدى أهمية الأشياء التي أردنا فعلها، نبدأ بشطبها واحدة تلو الأخرى ونقتنع بأننا لم نكن نريدها من البداية. نفكر فيما نريده فعلًا ولا نعرف. نبدأ بالمقارنة بحيوات الناس الأخريات ونقتبس منهم، نكتب قائمة بالأشياء التي نريد فعلها، لا نستطيع تحديد مدى أهمية الأشياء التي أردنا فعلها، ..... إلخ.
ولا أعرف هل أتوقع إنتظار يدًا تساعدنا، أم أننا قد تعايشنا مع الوضع وأصبح نطاقنا الآمن.

...


"وهذا الألم الذي حسبت أنه لن ينتهي .. لن ينتهي فعلًا."

...

14-8-2016

...