السبت، 5 مارس 2016

الإختباء في ميدان عام

اذكر ٣ أسباب للصحيان بتُقل ع القلب.
___
محاولاتي المستمرة للدفع بنفسي في دوائر جديدة تسحب مني أنفاسي بالتدريج، ينقص مني نفس في كل مرة.
تتوالى الفُرص وأتابع الإختباء من الثقب الأسود بداخلي، أختبيء في الحوارات التي لا أعرف عنها شيء، وفي الأماكن التي لم أذهب لها من قبل، أترك في كل مكان فكرة سوداء وأقول: لن أعود إلى هنا مجددًا، إذًا لنلقي بها هنا وندعي أن شيئًا لم يحدث.
أتكلم دون أن أعي ما أنا متكلمة عنه، لا أتذكر بالتحديد فأبدأ بالتوقع والتأليف، لا أوفق في كل مرة وينتج كلامي متناقضًا ينم عن كذب وما هي إلا ذاكرة رديئة أملأ ثغراتها بما أستطيع.
___
١- الخوف من السيناريوهات السيئة.
___
أتلمس خطاي في تكوين صداقات جديدة. أفشل بإستمرار. أتناسى وأبدأ من جديد، أبتعد عما يشكل فكرتي عن شخصيتي وأتصرف بحسب توقعات الآخرين. يرهقني ألا أعرف من أكون. أقول: لا بأس، هناك فرصة التغيير وإحتمال الراحة في قالب جديد. لكن من اخترع القوالب أصلًا؟ أنا لا أريد أن أكون قالبًا.
___
٢- الندم على امبارح والنهارده وبكره وكل يوم.
___
أقف على حافة السقوط أريد أن أسقط، حقًا أريد أن أريح نفسي من عبء الأمل والمحاولة وفعل ما ينبغي علينا فعله، لكن أعرف أنني لم أعاني كل هذا التسلق لأجل أن أتنازل عنه في لحظة.
أقف على حافة السقوط وأرى أن أكبر إنجاز يمكن لي فعله هو أن أظل على حافة السقوط.
___
٣- مفيش حد يسند قلبك لما يتقل عليك.

الخميس، 3 مارس 2016

كتم الحنين الأصدق

كان لابد لنا من عودة، حتى ولو عنوة، لابد أن نقتنص الحديث من أنفسنا حتى يتسنى لنا مراجعة أفكارنا فيما بعد والحكم على مدى نجاح الأمر، هل استطعنا حقًا أن نحيا، أم أننا ذُهِلنا وصُعِقنا وضعنا وتُرِكنا وحدنا نرتجف خوفًا من كل شيء؟

الأمر لا يصبح سهلًا بين ليلة وضحاها.
نحتاج إلي القليل من الجهد، والكثير من المرونة والقابلية للتكيف، والكثير والكثير من دفع النفس لتفعل ما هو أصلح كيفما كان، لا يهم مقدار رغبتنا بفعله من عدمها، المهم هو أن ننتهي. وسننتهي.

تقول ميريدث جراي" لماذا أستمر بالضرب على رأسي بمطرقة؟ لأن الشعور عندما أتوقف لا يُوصَف"

لنستمر بالطرق على رؤوسنا بالمطارق إذًا.
ولنتذكر أن كتم الأنين، غالبًا ما يكون أصدق.

الأربعاء، 2 ديسمبر 2015

واحد

عزيزي السيد ميم،

بعد التحية والسلام والغزل، أحب أحكيلك عن حاجات أنت مش مهتم تسمعها، فترد عليا بالطريقة اللي كل الناس بيحكوها عنك.

كل الناس اللي عارفين أكتر من غيرهم قالولي أطلب مساعدة. بس أنا معادش عندي القدر من الطاقة اللي يخليني أنزل من البيت حتى، معادش عندي القدر من الطاقة اللي يخليني أمشي خطوة كمان، وخطوة كمان.. يا أوصل نهاية الطريق يا البير يجف.

عزيزي السيد ميم،

كل السنين اللي فاتت فجأة صبحت عدم، مش باقي منها غير اللي يدل على أني عديت بيها، وبطاقتي بتقول إني مولودة من زمان.
مش فاكرة حاجة.
فاكرة بس شعر الولد اللي كنت معجبة بيه في KG، فاكرة حوش المدرسة الرمل، والكشك اللي تحت الأرض، وعمو هاني. فاكرة عرض المدرسة، والمسجد، وعياطي ليلة مسابقة أوائل الطلبة لما مكنتش مذاكرة حاجة.
فاكرة حفظي لقصة علي مبارك لدرجة اني كنت بأسمع الفصل بالكلمة، لسه فاكرة " ويشاء الله أن يكافيء هذا الغلام.."
فاكرة لما كنت أنا ومريم لوحدنا في الفصل، وبنتكلم عن البلد، فاكرة اني يوم ما مبارك اتنحى كنت قاعدة بأحل واجب الماث في تانية ثانوي، فاكرة جمعة الغضب، لما نزلت درس أشرف عبد الرحمن، ووأنا مروحة لقيت مفيش تليفونات شغالة وروحت لقيت ماما كانت هتنزل تدور عليا في الشارع. فاكرة يوم ما نزلت وسط كل الحاجات اللي بتتحرق في شارع الهرم (خصوصا الكباريهات) علشان أروح درس مستر نادر، واستغربت اني لقيته اتلغى.
فاكرة حصص الفيزيا اللي كنت بأفوتها علشان مكتئبة، وحصص علم النفس عند ميس إلهام، لما كنت بأروح مش مذاكرة وأقفل الإمتحان وأحس إن هو ده اللي ممكن أقعد أسمعه وأنا مبسوطة.

عامة، كل ذكرياتي هي المذاكرة، والإكتئاب بسبب المذاكرة، وإني كملت المسيرة في نفس الطريق محودتش.

بأسأل نفسي كتير هل الإستسلام للأمر الواقع والتسليم بيه أريح، ولا عدم الرضا ومحاولة كسر عنق الزجاجة، ولا بعد ما نكسره نقطع بيه شرايينا ونعملها - على حد تعبير رضوى- فيونكات؟

السؤال المهم هو العمر ثواني ولا سنين؟
والسؤال الأهم هو إمتى الزمان يسمح يا جميل؟

...

السبت، 1 أغسطس 2015

فن رثاء الذات



لا تفشل الحياة أبدًا في أن تفاجئني.
ولكن أكثر ما يثير الحزن بداخلي هو أن تدنو إليَّ بحلمٍ بعيد، فأقترب منه أنا لتقصيه هي مُجددًا.
أو تُريني ما لست أنا قادرةً على الإقتراب منه، عن قُرب.
...
سأبقى وحيدة، منبوذة، لا أستطيع الإقتراب من أحد ولا أحد يستطيع الإقتراب مني.
سأفني عُمري في الندم على الأشياء التي لم أفعلها أكثر من الأشياء التي فعلتها.
أفشل حتى في أن أفشل.
كم هي ثقيلة تلك التجارب الجديدة، تجذبني منطقة الأمان الخاصة بي إليها بإستمرار، أستطيع الفرار بصعوبة لأجد أن كل ما مضى كان البداية فقط.
...
كنت أعبر الطريق (أو أقطعه كما يقول أهل الأردن الشقيق) وأنا أفكر في القلوب المكسورة. تناثرت أشلائها حولي مؤخرًا، حتى عاد قلبي ينكسر مُجددًا ولا أقوى إلا على أن أحطِّمه أكثر.
لماذا لا نحاول مُجددًا مع اليقين؟

ولماذا ابتعدنا إلى هذا الحد بعد أن كنا قد اقتربنا -أو حسبنا أننا فعلنا-؟
لماذا لا تسير الأمور بسلاسة؟
ما سر كل تلك المعاناة؟ ما الضرورة في أن نشعر بالدونية والحقارة بإستمرار؟
لماذا نبدأ في الإنهيار كلما بدأنا طريق التعافي؟
لماذا لا أستطيع البوح، حتى لنفسي، بما يضيق به صدري؟
أرفض الإعتراف.
أرفض التصريح بأن هناك ما يقتل جزءًا مني في كل مرة، يسحق قطعة من روحي، يلتهمها، والروح لا تنمو مُجددًا ولا تتضاعف، تبقى منقوصة إلى أن تودِّع جزءًا آخر منها، وتستمر في التحلل بينما أنا أراقبها بيدين مقيَّدتين إلى صخرة في قاع البحر.
...
أشفق على تلك المسكينة الغبية، التي لا تفعل شيئًا صحيحًا أبدًا، تريد أن تكون طبيعية فقط وتبذل مجهودًا كبيرًا من أجل ذلك وتفشل، تحاول أن تتكلم فلا يخرج صوتها لأبعد من أذنيها هي، تحادث نفسها بصوتٍ عالي بإستمرار في الطرقات، تعض على شفتيها وأناملها دائمًا بسبب التوتر، لها ضحكة بلهاء، وأسنان غير مستقيمة، ونظارة طبية تجعلها أشبه ما يكون بغريبي الاطوار، تحمل معها دفترًا لا تكتب فيه شيئًا، وحيدة تمامًا، حتى إذا قررت أن تذهب بمفردها إلى أحد الأماكن المفضلة تحدِّق في شاشة هاتفها لأنها لا تعلم ما يجب أن تفعله وحيدة في مكانٍ كهذا.
تخشى سائقي التاكسي والويترز وأي شخص مسئول عن الريجيستريشن في أي مكان.
لديها فوبيا من الأماكن العالية، والسرعة فوق ال90، تكره أي نوع من أنواع المسئوليات، ولا تريد أن تكبر.

أشفق عليها وأكرهها.
...
وكأنني أكره لنفسي أن أبقى بخير، لابد من دراما غير مسببة.
لقد كبرت. أصبحت أكبر من اللازم على صنع قصور من الرمال والجلوس على الشاطيء خوفًا من المياة لأنني لا أعرف العوم.
من هم في مثل سني يسبحون في منتصف البحر الآن، بينما أنا أفضل السير بمحاذاة الشاطيء وأكتفي بوعد أن أصبح فيلسوفة.
كبرت فأصبحت أزهد أكثر، أحب أقل، وأحزن دائمًا.
تتداعى فجأة كل طموحاتي ولا أجد لها أثرًا في نفسي، اللهم إلا الندم على أنها ذهبت بلا رجعة.
...
سأمضي الليلة إذَا في رثاء الذات، سأبقى أفتِّش في حقائب الآخرين ويثقل عليَّ حمل حقيبتي. أندم على نفس الشيء مرارًا وتكرارًا، أستعيد صورته مرارًا وتكرارًا، وأحاول البكاء وتخذلني دموعي.


الجمعة، 24 يوليو 2015

أهواك بلا أمل


الولا حاجة دي تجميعة لبدايات تدوينات، في أوقات متفرقة، لم تكتمل.

...

عزيزي السيد ميم،

لعلك بخير.
كنت بأشتاقلك وأنا وأنت هنا، بيني وبينك .. خطوتين .. خطوتين بس والله.
المفروض إن ستاير النسيان نزلت بقالها زمان، معرفش إيه اللي رجَّع لنا النور من تاني.
وليه الكون إتفق عليَّا يفضل يرمي في وشي كلام عنك؟
مبعرفش أجمعه كله وبيقع مني في السكة .. وبيتقل عليَّا .. والكلام بيقل بالتدريج لحد ما يختفي.
لكني بأتعايش يعني.
من كام يوم كنت ماشية في شارع 26 يوليو بأفكر في حدوتة البنت اللي لقت في التلاجة ناس بايتة ومبيشبعوش، اختلفت الإناس وعدم الشبع واحد. بس قررت أسمع وصية الدكتور ليها ولباقي مجموعتها بإنهم يبعدوا عن شوية حاجات طول فترة العلاج، أهمها الموت.
ملعون البِعاد .. ملعون في كل مِلة ودين.
خايفة ميكونش في آخره وصل، لكني هأرضى بتفسير للسيناريوهات المُحتملة اللي محصلتش.
...
أبلة تهاني،
بعد التحية،

أكتب إليكي وأنتِ متعرفنيش، ولكن بسيطة، أنا فتاة عادية تحلم طوال الوقت. عندي من اللخبطة قد 20 قيراط كده.

فيه حاجة بتقولي إني جايز لو ركزِّت ألاقي الأربعة وعشرين قيراط بتوعي. أو جايز لسه مجوش، مش عارفة. بس أنا دايمًا مركزة مع قيراطات الناس وبأعدهالهم، وبأنسى أعِّد بتوعي، يمكن علشان كده بيقعوا مني واحدة ورا التانية وبيختفوا من غير ما آخد بالي.
أملي دلوقتي شوية سلام نفسي أقدر أقعد بيهم لوحدي مع نفسي في مكان عام من غير ما أحِس بنقص أو أركز مع حد غيري.
شوية لحظات كده مؤخرًا عايزة أقف عندهم:
-أنا وريم - صديقتي الصدوقة- بنلِف حوالين النافورة كالعادة ومشغلين مشيت على الأشواك في الخلفية، السنة بدأت بـ لفة الحديث عن طاقة المشاعر اللي بتخلص مع الوقت وعن الطموحات الكبيرة في الحياة وخلصت بـ لفة الحديث عن ذكريات هاوس وعن جمال الكلية من غير ناس.

-أو وإحنا نايمين ع العُشب وباصين في السما، وأنا مش قادرة أفتح عينيا للنور، كنت عايزة أعرف المقادير اللي تخلي لحظة زي دي صافية.
- اللحظة اللي قرر فيها كلبين من الشارع يجروا ناحيتي، بصيتلهم وقلتلهم بكل هدوء "لأ لأ" ومتحركتش من مكاني، لولا إن راجل طيب من المكان جه ومشَّاهم مش عارفة كان ممكن يعضوني مثلًا .. بس أنا ليه متحركتش؟ ليه مخوفتش وكأني كنت عارفة إنهم مش هيعضوني علشان أنا طيبة، وعلشان أنا مش هأطلَّع أدرينالين يشموه فيجروا ورايا.
_______

لا يبدو أنني أتعلم من أي تجارب على كل حال.
أمر بواحدة، فأخرج بحكمة أحملها في راحة يدي .. فتتسرب كالماء من بين أصابعي.
أو تتبخر ..

لا أرى أهمية للكتابة .. أو لطلب الوَنَس. هو لن يأتي على كل حال.
______


أحيانًا أشعر بأن كل ما أحتاج إليه هو تلك المسافة بين كتفيك، ثم أشعر بسخافة الفكرة، ثم بالإحتياج مُجددًا، ثم بالسخافة، وهكذا.
أدور في دوائر الفراغ ويحاول عقلي بإستمرار أن يخرجني منها، لا أنا أكتفي بذاتي ولا أنا أجد النصف الآخر الذي سيجعلني كاملةً .. أتذكر حقيقة الأمر بأنني إذا ما وجدت نصفُا لن أصير كاملةً، ولكنني سأصير نصفًا لا أمتلكه. أقرر بأن أصنع يقينًا بأن الأمور ستسير كما أردت دائمًا يومًا ما .. وربما وقتها يُصبح حُزني أكبر لأنني لن أجد السعادة التي علَّقتها على هذا السبب، سأكتشف إنني فقدتها في الطريق .. فإني نسيت الحوت وما أنسانيه الشيطان أن أذكره.

______

أكتر حاجة بأخاف منها مش إني ملاقيش الشخص الصح، أكتر حاجة بأخاف منها هي إني ألاقي الشخص الغلط.

______

في فيلم زي النهاردة أيمن كان كاتب في الأجندة -والكلام قرأته مي بعد ما توَّفى-: "مش عيب إن الواحد يفكر في الموت، بس لو فكر صح هيلاقي الموت ده كل يوم بيدينا هدية، وبيقولنا إتفضلوا، هأتأخر عنكم يوم كمان أهه، إتبسطوا فيه وإعملوا كل اللي نفسكم فيه."

______
Reminder

مينفعش ناخد النهارده بذنب إمبارح، ولا الساعة دي بذنب الساعة اللي فاتت.
مينفعش نتضايق من حاجة عملناها علشان عايزين نعملها. لأننا في الآخر هنموت وهنسيب كل حاجة.
الأصل هو الموت، مش الحيـاة.

______

"كُل شيءٍ في النهاية .. ينتهي."





الخميس، 2 يوليو 2015

رسالة لم تكتمل



علي،

الحياة لا تصير أسهل.
تصير أقل أهمية رُبما.

يكتسب المُزاح وزنًا ليُصبح ثقيلًا كلما اقتربت منه الحقيقة، تبدأ الأسئلة المُعتادة والمُتوقَعة بالضغط على وترٍ لا يحتمل.
أفكر في الإستعانة بوتر كمان.

لا أستطيع أن أعلِن عما يضيق به صدري، لا ينطلق لساني، ولا يأتيني هارون.
لا أعرِف إن كانت تلك كلمات تنبع من عقلي، أم مرَّت عليه من قبل فقرر أن يحتفظ بها لنفسه.

لا أريد السير في ذات الطريق، ولكنه يناديني، بإلحاح، ويبدو جميلًا .. يبتسم .. أسير تجاهه، ولكن ليس معي دليل.
أدعو الله بحق الشهر الكريم: إن كان فيه خيرًا فاكتبه لي، وإن كان فيه شرًا فاصرفه عني.
وأنِر لي.

طيبة هي العلاقات الإنسانية التي لا تتطلب أشياء لن نستطيع عليها صبرًا.
عندما تهتم لأمر شخص، تخشى أن تفقده، فتفقده.

لماذا تبدو الأشياء الجميلة مستحيلة الحدوث؟
لماذا تبدو الأشياء الجميلة سهلة الحدوث عندما يتعلق الأمر بالآخرين؟

لا تحتاج هبة إلى شيء، فكل شيء بداخل الفقاعة.
لكن لماذا تبدو الحياة أعقد ونحن بالداخل؟

الخميس، 21 مايو 2015

المغامرة التلاتة وعشرين





البنت اللي كانت بتعيط لمامتها كل يوم في البيت علشان هي أطول واحدة في الفصل بتاعها، وأطول من الولد اللي هي بتحبه، دلوقتي بقت بتحس كتير إنها قصيرة وده بيضايقها، فتفتكر حكاية العياط دي فمتضايقش.
البنت اللي كانت بتشوف في المراية شكلها مش قد كده، دلوقتي بتبُص في المراية على شعرها المنكوش وتضحك وتتخيله زي آشعة الشمس، وتغني لنفسها "الشعر الغجري المنكوش يسافر في كل الدنيا".
البنت اللي كانت بتخاف إنها مش خايفة، دلوقتي بتخاف وزيادة.
البنت اللي بتقعد قبل الإمتحان على الأرض، لما كل حاجة تسوَّد قدامها، تسند ضهرها ع الدولاب، وتحط مانيكير شفاف علشان ضوافرها تنوَّر فتضحك كل ما تشوفهم وهي بتتخيلهم نجوم صغيرة في إيديها.
البنت اللي بتقعد تتفرج على الأستاذ فريد زين وتعيَّط، كالعادة، فتفتكر حاجة تستدعي للعياط فتعيَّط عليها بالمرة.
البنت دي في آخر اليوم، بتقعد ع السرير والراديو شغَّال في الخلفية بيوَّنِسها، وتكتب .. وتكتب .. في محاولة للتصالح مع العالم، وهي عارفة كويِّس إن العالم أقل بكتير من إننا نحاول نتصالح معاه، بس برضه.
بتلاقي نفسها لوحدها جدًا، فيطلعلها ناس كده من تحت الأرض يقولوها إنتي تستاهلي حاجات حلوة إنتي شايفة إنك متستاهليهاش، إحنا عملنالك يوم لوحدك كان بيدور حواليكي وكنتي مركز الكون زي ما كنتي بتحلمي.
فتقوم هي تحس إنها مش مبسوطة، ولازم تنكد على نفسها، فـ تقوم تكتب التفاصيل الجميلة المُفرحة، بدون ذكر لأي أفكار سودواية عميقة هي هتنساها على كل حال لو ماتمش تدوينها.
كل صيف، بتلم حياتها في شنطة وتروح البيت التاني علشان تزَّرع هناك، ربنا عمره ما خذلها مع إنها خذلت نفسها كتير .. وبالرغم من إن الإتنين وعشرين محاولة اللي فاتوا مكانوش قد كده، بس هي عارفة إن لو الشريط إتعاد من الأول مكانش هيبقى غير كده، كل حاجة صغيرة حصلت أو محصلتش هي حتة منها، اللعثمة في الكلام وكسوفها من شكل ضحكتها ونضارة النظر بتاعتها ولما بتقعد تشتكي لربنا في الشباك كل فين وفين لما الدنيا بتضيق أوي، وكل عياطها اللا مُبرَر قبل المُبرَر .. كل ده هي. وهي قررت –أخيرًا- تقبل الباكيدج ده كله كده على بعضه من غير أي كلاكيع نفسية تجاه أي حاجة من الحاجات دي.
مش مطلوب مننا بأي شكل من الأشكال نكون سوبر ستارز ومحصلناش ونبهر في كل حاجة، مش مطلوب مننا نبهر في أي حاجة أصلًا، مش مطلوب مننا نبقى زي مقاييس شكل مُعينة أو تصرفات سليمة مظبوطة بالمسطرة.
لو عرفنا إننا –في الأول وفي الآخر- نازلين من غير كتالوجات، ومفيش روول موديل المفروض نسعى نبقى زيه وإلا هنبقى وحشين، وإننا مينفعش نقارن نفسنا بأي حد –مهما كان-، مينفعش نبص في مراية حد تاني على نفسنا، مينفعش نحاسب نفسنا على كوننا نفسنا.
مش مطلوب مننا إننا منغلطش. ربنا نفسه قال لو مكناش إحنا بنغلط، كان جاب بدالنا ناس تغلط علشان يتوب عليهم.*
المشكلة إن المجتمع بتاعنا بيضغط علينا دايمًا علشان نكون مُجرد نُسخ من موديل اخترعه وقرر إنه يكون هو الصح المطلق والوحيد. الموديل ده بيحب نوع مُعين من الأكل، بيلبس ستايل مُعين من اللبس، وبيخرج في أماكن مُعينة، بيحب مُطربين ومُمثلين مُعينين، وبيقرأ كُتب مُعينة، ليه آراء سياسية وإجتماعية مُعينة، بيتكلم بطريقة مُعينة، وغالبًا بينتقد طول الوقت أنصاف بني البشر اللي مش بيعملوا زيه، وبيكونوا في نظره ناس درجة تانية، أصحاب مستوى ذكاء منخفض وعندهم إعاقة ذهنية ومتخلفين ورجعيين وبلدي وبيئة ومبيفهموش. لما حد من الأنصاف دول بيرتقي لمستوى الموديل بيبدأ يعمل زيه ويستمر في إحتقار اللي كان بينتمي ليهم. المجتمع إتقسم لـ 3 أجزاء، جزء ناسخ ومنسوخ، وجزء مُختلف بيتقال عليه متخلف، وجزء مش مهتم. إحتكار مفهوم الصح بقى تريند وبقت كل الناس بتجري علشان تبقى في الكاتيجوري الكوول. مع إن الطبيعي، والمفروض، إننا نبقى بنحارب علشان منبقاش شبه بعض، مش العكس.
البنت دي بقى، غالبًا، مش شبه حد، علشان كده طول الوقت الدنيا بتحسسها إنها أقل من بني آدم كلهم، وإنها عُمرها .. عُمرها ما هتبقى كويسة.
هاي، إحنا متخلقناش علشان نبقى كاملين عامةً.
ودلوقتي، كبرنا كفاية لإننا نقف في وجه العالم ونقوله: طظ فيك.
إحنا بقالنا إتنين وعشرين سنة بنحاول نلاقي نفسنا، على إعتبار إن نفسنا دي حاجة مش موجودة دلوقتي، مع إنها كانت موجودة طول الوقت .. إحنا بس مكناش واخدين بالنا إن دي هي .. إحنا.

...