الأربعاء، 2 ديسمبر 2015

واحد

عزيزي السيد ميم،

بعد التحية والسلام والغزل، أحب أحكيلك عن حاجات أنت مش مهتم تسمعها، فترد عليا بالطريقة اللي كل الناس بيحكوها عنك.

كل الناس اللي عارفين أكتر من غيرهم قالولي أطلب مساعدة. بس أنا معادش عندي القدر من الطاقة اللي يخليني أنزل من البيت حتى، معادش عندي القدر من الطاقة اللي يخليني أمشي خطوة كمان، وخطوة كمان.. يا أوصل نهاية الطريق يا البير يجف.

عزيزي السيد ميم،

كل السنين اللي فاتت فجأة صبحت عدم، مش باقي منها غير اللي يدل على أني عديت بيها، وبطاقتي بتقول إني مولودة من زمان.
مش فاكرة حاجة.
فاكرة بس شعر الولد اللي كنت معجبة بيه في KG، فاكرة حوش المدرسة الرمل، والكشك اللي تحت الأرض، وعمو هاني. فاكرة عرض المدرسة، والمسجد، وعياطي ليلة مسابقة أوائل الطلبة لما مكنتش مذاكرة حاجة.
فاكرة حفظي لقصة علي مبارك لدرجة اني كنت بأسمع الفصل بالكلمة، لسه فاكرة " ويشاء الله أن يكافيء هذا الغلام.."
فاكرة لما كنت أنا ومريم لوحدنا في الفصل، وبنتكلم عن البلد، فاكرة اني يوم ما مبارك اتنحى كنت قاعدة بأحل واجب الماث في تانية ثانوي، فاكرة جمعة الغضب، لما نزلت درس أشرف عبد الرحمن، ووأنا مروحة لقيت مفيش تليفونات شغالة وروحت لقيت ماما كانت هتنزل تدور عليا في الشارع. فاكرة يوم ما نزلت وسط كل الحاجات اللي بتتحرق في شارع الهرم (خصوصا الكباريهات) علشان أروح درس مستر نادر، واستغربت اني لقيته اتلغى.
فاكرة حصص الفيزيا اللي كنت بأفوتها علشان مكتئبة، وحصص علم النفس عند ميس إلهام، لما كنت بأروح مش مذاكرة وأقفل الإمتحان وأحس إن هو ده اللي ممكن أقعد أسمعه وأنا مبسوطة.

عامة، كل ذكرياتي هي المذاكرة، والإكتئاب بسبب المذاكرة، وإني كملت المسيرة في نفس الطريق محودتش.

بأسأل نفسي كتير هل الإستسلام للأمر الواقع والتسليم بيه أريح، ولا عدم الرضا ومحاولة كسر عنق الزجاجة، ولا بعد ما نكسره نقطع بيه شرايينا ونعملها - على حد تعبير رضوى- فيونكات؟

السؤال المهم هو العمر ثواني ولا سنين؟
والسؤال الأهم هو إمتى الزمان يسمح يا جميل؟

...

السبت، 1 أغسطس 2015

فن رثاء الذات



لا تفشل الحياة أبدًا في أن تفاجئني.
ولكن أكثر ما يثير الحزن بداخلي هو أن تدنو إليَّ بحلمٍ بعيد، فأقترب منه أنا لتقصيه هي مُجددًا.
أو تُريني ما لست أنا قادرةً على الإقتراب منه، عن قُرب.
...
سأبقى وحيدة، منبوذة، لا أستطيع الإقتراب من أحد ولا أحد يستطيع الإقتراب مني.
سأفني عُمري في الندم على الأشياء التي لم أفعلها أكثر من الأشياء التي فعلتها.
أفشل حتى في أن أفشل.
كم هي ثقيلة تلك التجارب الجديدة، تجذبني منطقة الأمان الخاصة بي إليها بإستمرار، أستطيع الفرار بصعوبة لأجد أن كل ما مضى كان البداية فقط.
...
كنت أعبر الطريق (أو أقطعه كما يقول أهل الأردن الشقيق) وأنا أفكر في القلوب المكسورة. تناثرت أشلائها حولي مؤخرًا، حتى عاد قلبي ينكسر مُجددًا ولا أقوى إلا على أن أحطِّمه أكثر.
لماذا لا نحاول مُجددًا مع اليقين؟

ولماذا ابتعدنا إلى هذا الحد بعد أن كنا قد اقتربنا -أو حسبنا أننا فعلنا-؟
لماذا لا تسير الأمور بسلاسة؟
ما سر كل تلك المعاناة؟ ما الضرورة في أن نشعر بالدونية والحقارة بإستمرار؟
لماذا نبدأ في الإنهيار كلما بدأنا طريق التعافي؟
لماذا لا أستطيع البوح، حتى لنفسي، بما يضيق به صدري؟
أرفض الإعتراف.
أرفض التصريح بأن هناك ما يقتل جزءًا مني في كل مرة، يسحق قطعة من روحي، يلتهمها، والروح لا تنمو مُجددًا ولا تتضاعف، تبقى منقوصة إلى أن تودِّع جزءًا آخر منها، وتستمر في التحلل بينما أنا أراقبها بيدين مقيَّدتين إلى صخرة في قاع البحر.
...
أشفق على تلك المسكينة الغبية، التي لا تفعل شيئًا صحيحًا أبدًا، تريد أن تكون طبيعية فقط وتبذل مجهودًا كبيرًا من أجل ذلك وتفشل، تحاول أن تتكلم فلا يخرج صوتها لأبعد من أذنيها هي، تحادث نفسها بصوتٍ عالي بإستمرار في الطرقات، تعض على شفتيها وأناملها دائمًا بسبب التوتر، لها ضحكة بلهاء، وأسنان غير مستقيمة، ونظارة طبية تجعلها أشبه ما يكون بغريبي الاطوار، تحمل معها دفترًا لا تكتب فيه شيئًا، وحيدة تمامًا، حتى إذا قررت أن تذهب بمفردها إلى أحد الأماكن المفضلة تحدِّق في شاشة هاتفها لأنها لا تعلم ما يجب أن تفعله وحيدة في مكانٍ كهذا.
تخشى سائقي التاكسي والويترز وأي شخص مسئول عن الريجيستريشن في أي مكان.
لديها فوبيا من الأماكن العالية، والسرعة فوق ال90، تكره أي نوع من أنواع المسئوليات، ولا تريد أن تكبر.

أشفق عليها وأكرهها.
...
وكأنني أكره لنفسي أن أبقى بخير، لابد من دراما غير مسببة.
لقد كبرت. أصبحت أكبر من اللازم على صنع قصور من الرمال والجلوس على الشاطيء خوفًا من المياة لأنني لا أعرف العوم.
من هم في مثل سني يسبحون في منتصف البحر الآن، بينما أنا أفضل السير بمحاذاة الشاطيء وأكتفي بوعد أن أصبح فيلسوفة.
كبرت فأصبحت أزهد أكثر، أحب أقل، وأحزن دائمًا.
تتداعى فجأة كل طموحاتي ولا أجد لها أثرًا في نفسي، اللهم إلا الندم على أنها ذهبت بلا رجعة.
...
سأمضي الليلة إذَا في رثاء الذات، سأبقى أفتِّش في حقائب الآخرين ويثقل عليَّ حمل حقيبتي. أندم على نفس الشيء مرارًا وتكرارًا، أستعيد صورته مرارًا وتكرارًا، وأحاول البكاء وتخذلني دموعي.


الجمعة، 24 يوليو 2015

أهواك بلا أمل


الولا حاجة دي تجميعة لبدايات تدوينات، في أوقات متفرقة، لم تكتمل.

...

عزيزي السيد ميم،

لعلك بخير.
كنت بأشتاقلك وأنا وأنت هنا، بيني وبينك .. خطوتين .. خطوتين بس والله.
المفروض إن ستاير النسيان نزلت بقالها زمان، معرفش إيه اللي رجَّع لنا النور من تاني.
وليه الكون إتفق عليَّا يفضل يرمي في وشي كلام عنك؟
مبعرفش أجمعه كله وبيقع مني في السكة .. وبيتقل عليَّا .. والكلام بيقل بالتدريج لحد ما يختفي.
لكني بأتعايش يعني.
من كام يوم كنت ماشية في شارع 26 يوليو بأفكر في حدوتة البنت اللي لقت في التلاجة ناس بايتة ومبيشبعوش، اختلفت الإناس وعدم الشبع واحد. بس قررت أسمع وصية الدكتور ليها ولباقي مجموعتها بإنهم يبعدوا عن شوية حاجات طول فترة العلاج، أهمها الموت.
ملعون البِعاد .. ملعون في كل مِلة ودين.
خايفة ميكونش في آخره وصل، لكني هأرضى بتفسير للسيناريوهات المُحتملة اللي محصلتش.
...
أبلة تهاني،
بعد التحية،

أكتب إليكي وأنتِ متعرفنيش، ولكن بسيطة، أنا فتاة عادية تحلم طوال الوقت. عندي من اللخبطة قد 20 قيراط كده.

فيه حاجة بتقولي إني جايز لو ركزِّت ألاقي الأربعة وعشرين قيراط بتوعي. أو جايز لسه مجوش، مش عارفة. بس أنا دايمًا مركزة مع قيراطات الناس وبأعدهالهم، وبأنسى أعِّد بتوعي، يمكن علشان كده بيقعوا مني واحدة ورا التانية وبيختفوا من غير ما آخد بالي.
أملي دلوقتي شوية سلام نفسي أقدر أقعد بيهم لوحدي مع نفسي في مكان عام من غير ما أحِس بنقص أو أركز مع حد غيري.
شوية لحظات كده مؤخرًا عايزة أقف عندهم:
-أنا وريم - صديقتي الصدوقة- بنلِف حوالين النافورة كالعادة ومشغلين مشيت على الأشواك في الخلفية، السنة بدأت بـ لفة الحديث عن طاقة المشاعر اللي بتخلص مع الوقت وعن الطموحات الكبيرة في الحياة وخلصت بـ لفة الحديث عن ذكريات هاوس وعن جمال الكلية من غير ناس.

-أو وإحنا نايمين ع العُشب وباصين في السما، وأنا مش قادرة أفتح عينيا للنور، كنت عايزة أعرف المقادير اللي تخلي لحظة زي دي صافية.
- اللحظة اللي قرر فيها كلبين من الشارع يجروا ناحيتي، بصيتلهم وقلتلهم بكل هدوء "لأ لأ" ومتحركتش من مكاني، لولا إن راجل طيب من المكان جه ومشَّاهم مش عارفة كان ممكن يعضوني مثلًا .. بس أنا ليه متحركتش؟ ليه مخوفتش وكأني كنت عارفة إنهم مش هيعضوني علشان أنا طيبة، وعلشان أنا مش هأطلَّع أدرينالين يشموه فيجروا ورايا.
_______

لا يبدو أنني أتعلم من أي تجارب على كل حال.
أمر بواحدة، فأخرج بحكمة أحملها في راحة يدي .. فتتسرب كالماء من بين أصابعي.
أو تتبخر ..

لا أرى أهمية للكتابة .. أو لطلب الوَنَس. هو لن يأتي على كل حال.
______


أحيانًا أشعر بأن كل ما أحتاج إليه هو تلك المسافة بين كتفيك، ثم أشعر بسخافة الفكرة، ثم بالإحتياج مُجددًا، ثم بالسخافة، وهكذا.
أدور في دوائر الفراغ ويحاول عقلي بإستمرار أن يخرجني منها، لا أنا أكتفي بذاتي ولا أنا أجد النصف الآخر الذي سيجعلني كاملةً .. أتذكر حقيقة الأمر بأنني إذا ما وجدت نصفُا لن أصير كاملةً، ولكنني سأصير نصفًا لا أمتلكه. أقرر بأن أصنع يقينًا بأن الأمور ستسير كما أردت دائمًا يومًا ما .. وربما وقتها يُصبح حُزني أكبر لأنني لن أجد السعادة التي علَّقتها على هذا السبب، سأكتشف إنني فقدتها في الطريق .. فإني نسيت الحوت وما أنسانيه الشيطان أن أذكره.

______

أكتر حاجة بأخاف منها مش إني ملاقيش الشخص الصح، أكتر حاجة بأخاف منها هي إني ألاقي الشخص الغلط.

______

في فيلم زي النهاردة أيمن كان كاتب في الأجندة -والكلام قرأته مي بعد ما توَّفى-: "مش عيب إن الواحد يفكر في الموت، بس لو فكر صح هيلاقي الموت ده كل يوم بيدينا هدية، وبيقولنا إتفضلوا، هأتأخر عنكم يوم كمان أهه، إتبسطوا فيه وإعملوا كل اللي نفسكم فيه."

______
Reminder

مينفعش ناخد النهارده بذنب إمبارح، ولا الساعة دي بذنب الساعة اللي فاتت.
مينفعش نتضايق من حاجة عملناها علشان عايزين نعملها. لأننا في الآخر هنموت وهنسيب كل حاجة.
الأصل هو الموت، مش الحيـاة.

______

"كُل شيءٍ في النهاية .. ينتهي."





الخميس، 2 يوليو 2015

رسالة لم تكتمل



علي،

الحياة لا تصير أسهل.
تصير أقل أهمية رُبما.

يكتسب المُزاح وزنًا ليُصبح ثقيلًا كلما اقتربت منه الحقيقة، تبدأ الأسئلة المُعتادة والمُتوقَعة بالضغط على وترٍ لا يحتمل.
أفكر في الإستعانة بوتر كمان.

لا أستطيع أن أعلِن عما يضيق به صدري، لا ينطلق لساني، ولا يأتيني هارون.
لا أعرِف إن كانت تلك كلمات تنبع من عقلي، أم مرَّت عليه من قبل فقرر أن يحتفظ بها لنفسه.

لا أريد السير في ذات الطريق، ولكنه يناديني، بإلحاح، ويبدو جميلًا .. يبتسم .. أسير تجاهه، ولكن ليس معي دليل.
أدعو الله بحق الشهر الكريم: إن كان فيه خيرًا فاكتبه لي، وإن كان فيه شرًا فاصرفه عني.
وأنِر لي.

طيبة هي العلاقات الإنسانية التي لا تتطلب أشياء لن نستطيع عليها صبرًا.
عندما تهتم لأمر شخص، تخشى أن تفقده، فتفقده.

لماذا تبدو الأشياء الجميلة مستحيلة الحدوث؟
لماذا تبدو الأشياء الجميلة سهلة الحدوث عندما يتعلق الأمر بالآخرين؟

لا تحتاج هبة إلى شيء، فكل شيء بداخل الفقاعة.
لكن لماذا تبدو الحياة أعقد ونحن بالداخل؟

الخميس، 21 مايو 2015

المغامرة التلاتة وعشرين





البنت اللي كانت بتعيط لمامتها كل يوم في البيت علشان هي أطول واحدة في الفصل بتاعها، وأطول من الولد اللي هي بتحبه، دلوقتي بقت بتحس كتير إنها قصيرة وده بيضايقها، فتفتكر حكاية العياط دي فمتضايقش.
البنت اللي كانت بتشوف في المراية شكلها مش قد كده، دلوقتي بتبُص في المراية على شعرها المنكوش وتضحك وتتخيله زي آشعة الشمس، وتغني لنفسها "الشعر الغجري المنكوش يسافر في كل الدنيا".
البنت اللي كانت بتخاف إنها مش خايفة، دلوقتي بتخاف وزيادة.
البنت اللي بتقعد قبل الإمتحان على الأرض، لما كل حاجة تسوَّد قدامها، تسند ضهرها ع الدولاب، وتحط مانيكير شفاف علشان ضوافرها تنوَّر فتضحك كل ما تشوفهم وهي بتتخيلهم نجوم صغيرة في إيديها.
البنت اللي بتقعد تتفرج على الأستاذ فريد زين وتعيَّط، كالعادة، فتفتكر حاجة تستدعي للعياط فتعيَّط عليها بالمرة.
البنت دي في آخر اليوم، بتقعد ع السرير والراديو شغَّال في الخلفية بيوَّنِسها، وتكتب .. وتكتب .. في محاولة للتصالح مع العالم، وهي عارفة كويِّس إن العالم أقل بكتير من إننا نحاول نتصالح معاه، بس برضه.
بتلاقي نفسها لوحدها جدًا، فيطلعلها ناس كده من تحت الأرض يقولوها إنتي تستاهلي حاجات حلوة إنتي شايفة إنك متستاهليهاش، إحنا عملنالك يوم لوحدك كان بيدور حواليكي وكنتي مركز الكون زي ما كنتي بتحلمي.
فتقوم هي تحس إنها مش مبسوطة، ولازم تنكد على نفسها، فـ تقوم تكتب التفاصيل الجميلة المُفرحة، بدون ذكر لأي أفكار سودواية عميقة هي هتنساها على كل حال لو ماتمش تدوينها.
كل صيف، بتلم حياتها في شنطة وتروح البيت التاني علشان تزَّرع هناك، ربنا عمره ما خذلها مع إنها خذلت نفسها كتير .. وبالرغم من إن الإتنين وعشرين محاولة اللي فاتوا مكانوش قد كده، بس هي عارفة إن لو الشريط إتعاد من الأول مكانش هيبقى غير كده، كل حاجة صغيرة حصلت أو محصلتش هي حتة منها، اللعثمة في الكلام وكسوفها من شكل ضحكتها ونضارة النظر بتاعتها ولما بتقعد تشتكي لربنا في الشباك كل فين وفين لما الدنيا بتضيق أوي، وكل عياطها اللا مُبرَر قبل المُبرَر .. كل ده هي. وهي قررت –أخيرًا- تقبل الباكيدج ده كله كده على بعضه من غير أي كلاكيع نفسية تجاه أي حاجة من الحاجات دي.
مش مطلوب مننا بأي شكل من الأشكال نكون سوبر ستارز ومحصلناش ونبهر في كل حاجة، مش مطلوب مننا نبهر في أي حاجة أصلًا، مش مطلوب مننا نبقى زي مقاييس شكل مُعينة أو تصرفات سليمة مظبوطة بالمسطرة.
لو عرفنا إننا –في الأول وفي الآخر- نازلين من غير كتالوجات، ومفيش روول موديل المفروض نسعى نبقى زيه وإلا هنبقى وحشين، وإننا مينفعش نقارن نفسنا بأي حد –مهما كان-، مينفعش نبص في مراية حد تاني على نفسنا، مينفعش نحاسب نفسنا على كوننا نفسنا.
مش مطلوب مننا إننا منغلطش. ربنا نفسه قال لو مكناش إحنا بنغلط، كان جاب بدالنا ناس تغلط علشان يتوب عليهم.*
المشكلة إن المجتمع بتاعنا بيضغط علينا دايمًا علشان نكون مُجرد نُسخ من موديل اخترعه وقرر إنه يكون هو الصح المطلق والوحيد. الموديل ده بيحب نوع مُعين من الأكل، بيلبس ستايل مُعين من اللبس، وبيخرج في أماكن مُعينة، بيحب مُطربين ومُمثلين مُعينين، وبيقرأ كُتب مُعينة، ليه آراء سياسية وإجتماعية مُعينة، بيتكلم بطريقة مُعينة، وغالبًا بينتقد طول الوقت أنصاف بني البشر اللي مش بيعملوا زيه، وبيكونوا في نظره ناس درجة تانية، أصحاب مستوى ذكاء منخفض وعندهم إعاقة ذهنية ومتخلفين ورجعيين وبلدي وبيئة ومبيفهموش. لما حد من الأنصاف دول بيرتقي لمستوى الموديل بيبدأ يعمل زيه ويستمر في إحتقار اللي كان بينتمي ليهم. المجتمع إتقسم لـ 3 أجزاء، جزء ناسخ ومنسوخ، وجزء مُختلف بيتقال عليه متخلف، وجزء مش مهتم. إحتكار مفهوم الصح بقى تريند وبقت كل الناس بتجري علشان تبقى في الكاتيجوري الكوول. مع إن الطبيعي، والمفروض، إننا نبقى بنحارب علشان منبقاش شبه بعض، مش العكس.
البنت دي بقى، غالبًا، مش شبه حد، علشان كده طول الوقت الدنيا بتحسسها إنها أقل من بني آدم كلهم، وإنها عُمرها .. عُمرها ما هتبقى كويسة.
هاي، إحنا متخلقناش علشان نبقى كاملين عامةً.
ودلوقتي، كبرنا كفاية لإننا نقف في وجه العالم ونقوله: طظ فيك.
إحنا بقالنا إتنين وعشرين سنة بنحاول نلاقي نفسنا، على إعتبار إن نفسنا دي حاجة مش موجودة دلوقتي، مع إنها كانت موجودة طول الوقت .. إحنا بس مكناش واخدين بالنا إن دي هي .. إحنا.

...




الأربعاء، 20 مايو 2015

خُد مني الحنين



بالأمس حلمت بك.
...

"الأشياء الجميلة لا يجب أن تكون حزينة." .. وأنا لست جميلة بالقدر الكافي، ربما، لذلك، لا أستطيع ألا أكون حزينة.
أن ترى أنك تستحق الأفضل، تستحق أن تحظي بسعادة مؤقتة على الأقل، هو ما يجعل الشعور بالسعادة "أوبشن" مُتاح لك.

...

على قد ما إنتظار الموعود واليقين بيه فعل مُرهِق وصعب وبيستنزف طاقتنا في كتير من الأحيان، إلا إنه الحل الوحيد للسلامة النفسية والوقاية من لحظات الإنهيار والإستسلام للإستسلام واليأس من الحياة. فيه أمل، أيوة والله العظيم فيه أمل إن شاء الله، ولو طلع مفيش أمل في الآخر، هنبقى ضحكنا على نفسنا سنين طويلة وصبَّرنا نفسنا، أحسن من ضيعناها في البُكا ع الأطلال ثم البُكا ع اللبن المسكوب.
...

س - ليه كل حاجة حلوة عُمرها قصيَّر؟
ج - لأننا لا نكتفي أبدًا بالحاجات الحلوة، مهما طال عُمرها، هيفضل عُمرها قصيَّر.

...

بالأمس، أزهرت ست وردات في منتصف غرفتي، صفراء وحمراء وزرقاء وسماوية وبيضاء وأرجوانية، جذبن آشعة الشمس إلى داخل الغرفة حيث استقرن، ثم ذهبن وتركن لي عطرهن في رُكن حميم .. بشكل ما، لا أرى الأرض هنا صالحة لمثل هذا النبت الطيب.

...

-س: ومنين أجيب صبر لسنة، أعمل إيه؟
-ج: إعملي الصح.

...

الحياة فعل سخيف ومُمل وملوش أي لازمة، وإحنا اتوجدنا هنا بمحض صُدفة سخيفة بحتة، ومحتاجين ن-جيت أوفر إت علشان نقدر نكمل اللعبة دي للآخر، ونصدَّق إننا بنعمل حاجات حقيقية، لحد ما تخلص ومنكسبش أي حاجة خالص.

...

س- ليه يا بنفسج بتبهج وأنت زهر حزين؟
ج- وحدهم الأكثر حُزنًا مني هم من يشعرون بالبهجة لرؤيتي، فاللي يشوف بلاوي الناس تهون عليه بلوِته.

...

-"مينفعش تلبسي الإيشارب ده في عزا، ده يتلبس في خطوبة.. أنا بأقولك كده علشان متعمليهاش تاني."
-"ربنا يجعلها آخر الأحزان."
-"بس هي مش هتبقى آخر الأحزان."

...

-س: ليه يا زمن مسيبتناش أبريا؟
-ج: نُعيب زماننا والعيب فينا، وما لزماننا عيبُ سوانا.

...

-"العزا ده حاجة وحشة أوي."
-".. " .. يخذلني صوتي عند جملة "الموت هو اللي وحش أوي."

...

س- ليه خليتني أحبك؟
ج- لا تلومني، ولا أعاتبك.

...

تخبرني نبتة النعنع في الشُرفة الصغيرة بأنها عطشى، أبتعد بها عن الشمس فتهدأ. وأبتعد أنا عن كل ما يجعلني "عطشى" .. أتناسى الفراغ الذي يلتهمني بالتدريج، وأحاول أن أضعني بعيدًا .. طاقتي قليلة، وأنا أدرى بها، وأحينًا يكون كل إهتمامي بكيفية إضاعة تلك الطاقة التي لا تكفي شيئًا، فلأحترس قليلًا لعلي أستطيع الفرار بها .. لعلي حين أفر تتضاعف هي بطريقة ما فتصبح الحياة ألطف وأقل حرارة.

...

...

س- ليه يا قلبي كل يوم بتحب واحدة؟
ج- فراغ عاطفي.

...

الشُكر موصول للجميلات، أمل وسارة ورضوى ويُمنى وشروق، والجميلة ريم .. للترتيب والمجهود والجمال والحنية والحلاوة والحرية والشقاوة والطعامة واللذاذة وطلوع الـ 8 أدوار، وعلى حتة النور اللي زودوها في حياتي.

...

س- طب ليه بيداري كده؟
ج- بيستهبل.
س- وإنتي لما بيستهبل، بتعملي إيه؟
ج- بأستهبل.

الأربعاء، 29 أبريل 2015

رفاهية الإكتئاب


مين المخوَّل بالحُكم على مدى جودة سير الأمور وقدرتنا على التحكم فيها، وعنده القدرة على تقييم الأشياء والتنبوء بما سوف تؤول إليه؟
مين اللي المفروض يقول إن كُنا كويسين ولا لأ، لما منبقاش عارفين.
ممكن يكون كوننا مش عارفين إن كُنا كويسين ولا لأ ده في حد ذاته معنا إننا مش كويسين.
طيب بلاش دي.
ليه الدنيا بتكون ماشية كويس -أو هكذا يهيأ لنا- وبعدين مبتمشيش كويس -أو هكذا يهيأ لنا برضه- ؟
إيه المعايير؟ طيب نتحكم في فيها إزاي؟

...

المرحلة دي من حياتي بأعدي بيها كل شوية، كل شوية ألف وأرجعلها، حاجة أكبر مني بتتحكم في مزاجي وبتخليني ساخطة على كل شيء في الدنيا، نفسي كل الحاجات الوحشة تحصل لي، مش عايزة أغير أي حاجة وبأسوق نفسي للتهلكة.
المرحلة دي خطر، خطر جدًا، وكل شوية بترجع وبتعدي بستر ربنا ولسه متعلمتش إزاي أقدر أعديها بأقل خساير مُمكنة، إزاي أقدر أبقى أقوى منها، أغلِبها؟

...

عزيزي السيد ميم،
كنت ناوية أكتبلك جوابات وبعدين اكتشفت قد إيه ده فعل يدعو للشفقة. الحقيقة إني أدركت ده بعد ما معرفتش أكتبلك إيه.

...


26/4

حينما أريد الكتابة، لا أكتب.
حينما لا أريد الكتابة، أكتب.

يومًا جميلًا كالأمس كان يستحق الإلتفات إليه والتوقف عنده والتدوين عنه، لكننا أكثر كسلًا من أن نحتفظ لأنفسنا بتفاصيل سعيدة تبقينا على قيد الحياة ربما فقط لدقائق أكثر من المُقدَّرة لنا.
أما كان لنا أن نصنع بأنفسنا أيامًا مشابهة للأمس؟ لكننا -كما ذكرت- أكثر كسلًا من ذلك أيضًا.

...

26/4

الكادر الأول
واخد الصورة من ورا ضهري، ماشية بخطوات واسعة بطيئة، وعلى وشي تكشيرة مُعتبرة الصورة مش جايباها. على مد البصر بنشوف أمل جاية بإبتسامة واسعة وحاضنة كتبها.

الكادر التاني
واخد الصورة من جنبي الشمال، ظاهر شباك العربية ومن وراه شوارع مصر الجديدة، بيردد محمد محيي بإلحاح مناسب لموقفه "مظلووووووم ..".
فلاش باك سريع لفقرة من كتاب قديم بيجيب فيها عمر طاهر سيرة الأغنية.

الكادر التالت
جايب الصورة من غيري. اتنين بيتكلموا عن حاجات مش فاهماها لأن ده مش الفيلم بتاعي، بس أنا سامعاهم من عندي.
بييجي اسمه. قلبي بيتقبض قبضة عارفاها كويس، وبأخاف منها.

الكادر الرابع
نازلة سلم القسم على وشي إبتسامة عريضة ملهاش مُبرر، بيقابل إبتسامتي وش مش المفترض يشوفها، الإبتسامة مبتعرفش تتراجع بسهولة وبيظهر المشهد وكأنها نتيجة. بيتكرر المشهد بإختلاف الأماكن تلات مرات كمان على الأقل، بس بأخلي بالي كويس إني مكونش مُبتسمة لما بيتكرر.

الكادر الخامس
لقطة من فوق، نازلة على عنيا المغمضة وأنا نايمة، وبيدخل كارد الحلم اللي أنا شايفاه، ظاهر فيه طيفك في منامي.

الكادر السادس
شايف المشهد بعنيا زي ما أنا شايفاه. خمسة واقفين قدامي معرفش منهم ولا واحد. مبعرفش أرد على سؤال حد، فيرد التاني "هتفتكر مين يعني غير ..؟" ..

...


الكادر الأخير
الصورة مجابتش غير نظره، أنا مكنتش في الصورة.


...

28/4

شيماء،
عارفة إحساس إنك بتدوري على حاجة عارفة إنها مبتتلاقاش بالتدوير وبرضه عمالة تعافري في السكك الغلط؟
طيب عارفة إحساس إنك مش معززة نفسك، وإنك شايفاها أقل من أي حاجة حلوة ممكن تحصل؟
إزاي بتتجنبي تشوفيها في المراية .. حرفيا ومجازيا..
عارفة البعد عن ربنا .. لما الدنيا تضلم أوي ومفيش شعلة نور واحدة توريكي الطريق منين، لما متعرفيش إن كنتي عايزة تقربي اصلا ولا لأ.. فتقربي 2 سنتي وتبعدي مترين؟
عارفة إحساس الفشل؟ طب عارفة إحساس الفشل من قبل حتى ما تحاولي؟ عارفة إحساس الفشل في إنك تحاولي؟
حد حكالك قبل كده عن النبذ؟ عن إنك مختلفة .. فملكيش مكان وسط أي حاجة .. نشاز .. بطة سودا .. بيقولوا في الحواديت إن البطة السودا بتكتشف في يوم من الأيام إنها بجعة، وبتلاقي البجع أهلها وبتعيش معاهم .. بس هي النهايات السعيدة دي موجودة؟ طب حتى لو النهايات السعيدة دي موجودة هل هتبقى كفاية؟
يعني اعيش حدوتة طولها متين وخمسين صفحة علشان نهاية صفحة ونص؟ لأ يفتح الله.
انا مستاءة.
مستاءة للغاية.
الدنيا مش فيير بالنسبة لي.
ومس شايفة إني عرفت آخد منها حاجة.
جايز خيابة مني.
بس اللي متأكدة منه إني حزينة، وبائسة، ومفيش حاجة ممكن تفرحني.
مفيش حاجة ممكن اتمناها تحصل علشان الوضع يتغير إلى الأحسن.
وده لو تعلمين شيء بائس للغاية يا عزيزتي.
ده من اكثر الأشياء بؤسا على الأرض.

...

مش عارفة أكتب ..
مش عارفة أعرف إيه اللي بأفكر فيه، تفكيري مشلول، مش عايزة أفكر، أو خايفة، أو جايز مش عارفة وخلاص.
مش قادرة أفهم أنا حاسة بإيه، وعندي مشكلة، ومش عارفة إيه هي.

مين طفى النور؟

السبت، 11 أبريل 2015

العد التنازلي للعد التنازلي



في غرفتي مائة شيء على الأقل لا أحتاج إليه.
أرى أحيانًا كثيرة انني لا أملك شيئًا.
..

عندما أخاف، أطمئن بأنني على الطريق الصحيحعندما لا أبالي، أعرف بأنني قد ضللت الطريق.

..

في أحلامي، لا منطقية على الإطلاق.
من يملكون العالم قد قرروا أن يبيدوه تمامًا ونحن نحاول الهرب، يقودنا "د. هاوس".
جهاز يمكنك من الرؤية بوضوح فور أن تضعه في عينيك ويخرج عندما تأمره بالخروج، ولكنها مؤامرة لإفساد عينيك.
كوبري صغير يربط بين جامعتك في القاهرة وبين الإسكندرية، وهناك عدة أبواب هناك، كلٌ منهم يتيح لك الإنتقال إلى العصر الذي تريده.
أحيانًا تبدو أحلامي أكثر منطقية من الواقع، على الأقل هناك أشياء تحدث.

..

 
الأيام الكثيرة التي تصطف في نتيجة الحائط خاوية، بيضاء بشريطة مائلة زرقاء تعلن الحداد عليها.
أصنع قائمة طويلة، أحسب عدد الأيام بين كل إمتحان، متى يبدأ شهر رمضان؟ متى العيد؟ متى الأجازة؟
لماذا يجب أن أعرف على كل حال؟ لا أعرف، يجب أن أعرف وكفى.
أدعو الله أن أجمع شتات نفسي، وأن أ-survive حتى النهاية.

..

من نافذة الغرفة الصغيرة أستطيع رؤية إنعكاس آشعة الغروب على البناية المُقابلة، وعلى يمينها السماء وقد اكتظت بالسُحب التي تنتظر كل منها إحتكاك بأخرى لتبدأ بالبكاء، وبينما أنتقل بنظري بين شاشة "اللابتوب" والمنظر، يشدو صوت مُحبب إلى نفسي "كِبر البحر وبعد السما .. بحبك يا حبيبي .. بحبك"

..

يوشك العام الدراسي على الإنتهاء .. لست مُندهشة، اعتدت أن تمر الأعوام دون أن أنتبه، فصار الإندهاش أمرًا إعتياديًا لا ضرورة منه. لم أعد أتسائل عن كيفية مرورها أو فيم أفنيتها .. فـ "الدنيا ريشة في هوا، طايرة بغير جناحين." كما تعلم.
 "
مبقيتش بأسأل نفسي ليه الحاجات الوحشة بتحصل، بقيت أسأل لما مبتحصلش، إزاي محصلتش؟"

..

أدعي أنني لا أهتم لرأي الناس، وعندما أسمع آرائهم أجد في نفسي رغبة شديدة في الرد عليهم، ألست لا أهتم لهم بالأساس؟
لماذا أكلِّف نفسي عناء الرد إذًا؟

..

نحن نخشى قضاء أوقات سعيدة لأننا ندرك وقتها كم نحن بؤساء في العادة.
لا نحتمل أن نخوض تجارب ممتلئة بالحياة حتى لا نعلم كم أننا موتى.
نبتعد قدر المُستطاع عن الممكن لأننا نأمل في المستحيل، ولأننا نوقن بأنه مستحيل، لا نرضى حتى بالمُمكن.
ننتظر الأشياء أن تحدث لنا، ولا نسعى نحن إليها.
وكأن القدر سيبعث إلينا بأمانينا لمجرد أننا تمنيناها.
ننتظر أن تكتمل الأشياء ونحصل على كل شيء في النهاية السعيدة.
ولكن النهايات السعيدة هي قصص لم تنته بعد.

..
How miserable we are.
How lifeless we are.



الأربعاء، 8 أبريل 2015

عن النبذ وأشياء أخرى





صباح الخير أيها العالم الدنيء.

صباح محاولات التحايل على النفس، وإقناعها إن كل حاجة بقت كويسة أهي .. أهي. حتى لو مفيش حاجة كويسة خالص. بس إحنا هنعمل زي بتوع التنمية البشرية ما بيقولوا وهنركز على نُص الكوباية المليان، حتى ولو كانت مش دي الكوباية اللي إحنا عايزينها تتملي، وحتى ولو كنا عايزينها تتملي بحاجة تانية، والحاجات اللي جت خدت مساحة نُص الكوباية ومليتها أخدت المكان اللي كانت المفروض الحاجات اللي إحنا عايزينها تيجي تملاه، وبالتالي: مبقاش فيه مكان كفاية للحاجات اللي إحنا أصلًا عايزينها. بس برضه؛ هنبُص على نُص الكوباية المليان ومش هنفكر إنه يا ريته ما اتملى .. خالص.

بالرغم من كمية السعادة الغير مُبررة اللي قررت تغمر اليوم إمبارح على غير العادة، أول ما حطيت دماغي على المخدة وفيه إبتسامة عريضة على وشي، قلبي اتقبض فجأة، واتمرد على الريتم بتاعه وقرر يدق في وداني بسرعة وبقوة( وده بيحصل لما بأكون متضايقة، مش العكس) كأنه بيقولي: اتنيلي على عينيك وبطلي تتجاهلي الحاجات اللي مضايقاكي، لحد ما بقيتي مش عارفة إيه هي الحاجات اللي مضايقاكي. الحقيقة إني فعلًا قمت وقعدت أسأل نفسي: إيه هي الحاجات اللي ممكن تكون مضايقاني؟ وعرفت أعمل ليست طويلة مُحبِطة قد الدنيا
ميكانيزم الدفاع بتاع "يلا ننسى كل الحاجات اللي بتضايقنا فور ما بتحصل" ده أحيانًا بيكون مُفيد، بس اللي بقى بيحصل مؤخرًا إني بانسى الحاجات اللي بتضايقني، وبأفضل متضايقة من غير ما أعرف السبب. ميكانيزم فيه عيوب صناعة مُضرة بالصحة.

إحنا بقينا بنتمنى الحاجات الحلوة اللي بتحصل في حياة الناس يحصلنا زيها، مع إنني مش عايزينها أصلًا، ولو حصلتلنا مش هتفرحنا ولا هتفرق معانا بحاجة. تعريف الحاجات الحلوة بالنسبة لنا اتضرب في الخلاط مع المُقارنة المُستمرة لنفسنا بالناس، وشوية عدم فِهم لنفسنا، مع خوف من الخروج عن القطيع .. وطلعلنا كوكتيل مشوَّه عن طموحاتنا في الحياة.

 
المُهم، بيتهيألي لما ربنا عملنا ونزلنا على الأرض كل الناس لقيوا ناس يعيشوا معاهم، وفِضِل شوية ناس مش لاقيين ناس يعيشوا معاهم فلموا بعضهم وعاشوا مع بعض، بس فِضِل إحساس النبذ ملازمهم ومعرفوش يعيشوا حياتهم بطبيعية من غير ما يحسوا إن الناس الأولانيين أحسن منهم. وجيل بعد جيل فضل الإحساس موجود حتى من غير ما يعرفوا السبب.
بيتهيألي أنا من الناس التانيين دول.

مفهوم "شحاتة الثقة" اللي اتكلمت عنه ريهام سعيد ده طلع حاجة حقيقية جدًا. طول الوقت بنحتاج حد يقولنا إن اللي بنعمله ده كويس وإننا كويسين والحياة مش هتمشي من غيرنا .. بنحتاج حد يجاملنا ويقولنا إن شُغلِنا حلو حتى لو ده مش حقيقي، وبنحتاج حد يقولنا إننا حلوين علشان نصدَّق ده.
الحقيقة إننا طول الوقت بنغلط، ومش حلوين زي ما بنتمنى، والدنيا هتمشي من غيرنا عادي ومش هتاخد بالها إننا مش موجودين في الصورة أصلًا، وإحنا محتاجين نعرف ده ونبقى متصالحين مع الفكرة وقادرين نعرف حجمنا الحقيقي ومنتكسفش منه. علشان إحنا مش هنعرف نعيش حياة القلم الرصاص اللي عاش طول عُمره يحلم إنه يبقى طيَّارة.

وأخيرًا وليس آخرًا، بالنسبة للصُدف اللي بنستناها تحصِل، عُمرنا ما هنتكعبل في حاجة حلوة في السِكة وإحنا ماشيين واخدين بالنا أوي وبندوَّر على حاجة نتكعبل فيها.

الخميس، 26 مارس 2015

إلى اللانهائية .. وما بعدها



كام مرة هنعدي من جنب حد هنموت ونتكلم معاه بس نبص في الأرض أو في الموبايل ونعمل نفسنا مش واخدين بالنا علشان مش هنقدر نتكلم وكل الكلام اللي في الدنيا هننساه، حتى هننسى إن إجابة سؤال "إزيك" بتبقى "الحمد لله" .. أو الرد على "شكرًا" بيبقى "العفو" .. ؟
كام مرة هنبُص بحسرة للحاجات اللي مش في حياتنا ونقول معلش فترة وهتعدي، دي حاجة مؤقتة كده بس هنصبَّر نفسنا بيها دلوقتي لحد ما نبدأ حياتنا اللي بنحلم بيها بقى .. وتعدي الأيام والأسابيع والشهور والسنين ونلاقينا عيشنا الحياة كلها زي بالظبط ما كنا كارهينها -من غير ما ناخد بالنا- علشان كنا معتبرين إن الوضع ده مؤقت وإن دي مش حياتنا .. ؟

كام مرة هنغلِّب رأي الناس فينا على رأينا في نفسنا؟ وهنبني رأينا في نفسنا على رأي الناس فينا؟ كام مرة هنحاول نبهر الناس وخلاص؟ كام مرة هنظلم نفسنا بإننا نيجي عليها ونغيَّر فيها بتني الدراع علشان تبقى شبه حد تاني الناس يحبوه أكتر مننا، وتضيع نفسنا مننا وسط الزحمة ولا نعرف نرجعلها ولا نعرف نفضل على الوضع اللي جبرنا نفسنا عليه، فنفضل متشعلقين في النُص مش عارفين إحنا مين؟

كام مرة هنقعد في زاوية كادر المشهد علشان ملناش مكان في الصورة؟ كام مرة هنمشي نكلِّم نفسنا في الشارع علشان مفيش حد تاني نكلِّمه؟ كام مرة هنسيب الحاجات اللي نفسنا نعملها علشان مش لاقيين حد يعملها معانا ويحبها زينا، وهنعمل حاجات مش عايزين نعملها علشان لاقيين ناس بيعملوها ومنتبسطش بيها، بل ونتضايق إننا متبسطناش؟

كام مرة هنوجع روحنا علشان مش عارفين نيجي على حد؟ كام مرة هنوجع ناس بيحبونا علشان مش قادرين نيجي على نفسنا؟ كام مرة هنوعد نفسنا بحاجات مبتحصلش وعارفين إنها مبتحصلش بس علشان نواسي نفسنا؟


كام مرة هنقول لنفسنا "ده مُجرَّد يوم وحش، مش حياة وحشة"؟
أو "إحنا ممكن نبقى مبسوطين من غير الحاجة دي"؟
كام مرة هتصعب علينا نفسنا، ويصعب علينا الناس، ومنعرفش نعمل حاجة لحد فيهم؟

كام مرة هنتساب وننسى؟ كام مرة هنسيب ونقسى؟ كام مرة هنشيل كلام في قلوبنا يجرح علشان ميجرحش غيرنا؟
كام مرة هنفكر نلاقي نفسنا صغيرين أوي .. ومش عارفين نشوف نفسنا .. ونتكسف من اللي ملناش يد فيه .. "ما بأيدينا خُلقِنا تُعساء .."؟


كام مرة هنقاوم قبل ما نقع في حفرة الإكتئاب للأبد؟
كام يوم هنعديه علشان نوصل للي بعديه؟ كام سنة هنعديهم يمكن نرتاح علشان نفهم في الآخر إن مفيش راحة هنا؟

هنعيش كام مرة؟