فقاقيع الصابون تملأ شاشة "اللابتوب" وأنا أحدق فيها في إنتظار الوحي الذي سيصِف ما أمُر به بدايةً من حرق اصبعي في تحليل المعمل مرورًا بالبُكاء صُبحًا ومساءً ونهايةً بمشهد جلوسي على أرض الغرفة بحثًا عن الثقب الأسود الذي يمكن ان يُخرجني من هنا.
انتظري . قليلًا .
بإنتظار الوحي يُمكن أن نقص المشاهد المُبهجة في محاولة للتشويش على الحزن:
نهار خارجي
العاشرة صباحًا
تجلس أربعة فتيات بالنور والأمل والندى، موليات ظهورهن للنافورة ووجوههن للإمتحان/ للحياة .. يضحكن على همومهن بصوت يحسبه السامع عن بُعد ضحك المبتهجين بالواقع، تقول أمل: "أصل هنستفيد ايه لو فضلنا مبسوطين على طول؟" .. اقول: "دي أسخف حاجة سمعتها في العشر سنين اللي فاتوا .. " ثم أفكر الآن بإنتظار الوحي بأنها مُحقِّة تمامًا .. يجب أن أخبرها فور ان أراها مُجددًا.
أضحك معهم، لأتذكر أنني لم أبتسم حتى في اليومين الماضيين.
نهار خارجي
السادسة والنصف صباحًا
أمر بجوار "عصفور"، الكلب الطيب ذو الثلاث أرجل المُقيم في الكُلية، أقول "صباح الخير" .. أجلس في المكان السابق ذكره وأحاول للمرة الأخيرة. بعد حوالي الساعة يقترب عصفور ليجلِس بجواري تمامًا، أقول "أنت كيوت أوي، بس ممكن متقربش أوي علشان بأخاف؟" .. ينام لأكمل محاولاتي وهو يُشعرني بوَنس ما.
ولكن قبل أن يرحل، قرأت في عينيه حُزنًا أعرفه جيدًا.
نهار داخلي/ مكتبة الكلية
الخامسة عصرًا
ترد " انا مبقيتش .. " لأقاطعها قائلة "حِمل جرح؟ مبقيتش أستنى فرح؟ مبقيتش يا حبيبي ع الليالي قادر؟"
لننفجر بالضحك وسط المذُاكرين .. ثم اطلب منها أن تُكمل فتقول " أقصد إني مبقيتش بأتضايق .." أقاطعها مُجددًا "علشان بأشوف في عينيك نظرة صعبان عليك وعليك ده مش لايق؟" لنستسلم للضحك تمامًا هذة المرة.
عودة للمشهد الأول
كالمُعتاد أتخيل انني أُلقي بكُتبي وحقيبتي الكبيرة في الهواء وأخلع حذائي وأرقص في ساحة الكُلية على أنغام تأتي من لا مصدر، أتخيل أنني واحدة ممن يظهرن في إعلانات تصدير السعادة، وأن الحافلة الـ"موڨ" أو الـ permanganate تأتي لتوزع الشيكولاتة على الجميع.
أكتفي بالضحك على سخافة المشهد، وأذهب لأحضر بعض الشيكولاتة لرِفاق البهجة.
بإنتظار الحكمة، التي بالضرورة تختلف من كل حكايةٍ وأخرى رغم توحد المصدر.
فقط أنتظر على حَرف جزيرة يبتلعها البحر بالتدريج، وأرى سفينة على امتداد بصري.. ولكن هل هي تراني؟
لا أهتم حتى بمحاولة لفت انتباهها، في إنتظار أن تشعر هي بوجودي في وقت ما.
انتظري . قليلًا .
الوحي:
تحتمل أوجه النسيان عشرة أسباب لا أذكر منها واحدًا، ولكنني لا أنسى أنني أنسى، وأنسى أنني سأنسى.
لا أحتمل ثِقل العالم أكثر من ذلك، لم أعد حتى أحتمل ثِقل نظاراتي الطبية فوق أنفي.
يُردد كيانٌ ما بداخلي " انتظري قليلًا.."
قال "لو علمتم الغيب لتمنيتم الواقع"، أفكر: وإن لنا أن نعلم الغيب فكيف لا يكون لنا أن نغيّره؟
أهمس بأنه "كفاية كده أنا تعبت." ليُرد الغيب عليَّ بعد أن يُصبح حاضرًا " أنتِ بحاجة للمزيد من الحزن، أنتِ بحاجة للمزيد من الحرارة والضغط لتتحولي من الفحم إلى الألماس."
أترك كل شيء الآن لمقادير الله، لم يكن بالإمكان أكثر مما كان.
فقط افهم الإشارات أو حاول قدر استطاعتك، ولا تتمسك بالطريق الذي تراه أنت مناسبًا أكثر من اللازم، اترك نفسك للتيار دون أن تبحث عن بوصلة بداخلك لن تجدها، أنت لا تمتلك الحاسة السادسة يا عزيزي للأسف، تعامل مع الامر كما هو. ولا تنس ان تتلقى ضربات القدر بصدر رحب، الأمر لا يستحق الرثاء حتى. سينتهي كل شيء، لتُقص يومًا كل ما حدث وأنت تضحك من قلبك لتقول كما قالت أمل "أصل هنستفيد ايه لو فضلنا مبسوطين على طول؟"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق