ياللفضوى! من أين أبدأ؟ من فوضى عالمي الخارجي أم فوضى نفسي؟
إنني أتعثر في أشيائي أينما مشيت، وأتعثر في أفكاري أينما ذهبت بعقلي، أتعثر في ذكرياتٍ قديمة لم أحفظها في مكان بعيد آمن، أتعثر في ملفات لمواضيع لم أجيد إنهائها وتحديد موقفي منها، أتعثر في صور لأناس لا أعرف شكل علاقتنا الآن، ولم أحاول أن أعرف، أتعثر في مشاكل تركتها وهربت إلى الفوضى لأختبىء وراء كومةً من اللاشىء كي لا تصل إلى، أتعثر في أعمال لم أنهيها، ومشاعر لم أفشيها، وضحكات لم تخرج أبدًا ، ودموعًا خبئتها وراء عيني كي لا يراها أحد.
فإذا بي استيقظ يومًا، لأجد كل شىء فوق رأسي، وكأنه ظهر فجأة، ولم أعرف كيف استطعت تجاهل الأمر كل هذا الوقت؟ كيف أستطعت ألا أرى ما هو أمام عيني دائمًا، كيف استطعت أن أهرب، وأين وجدت الملجأ الذي لا تصلني فيه أيٌ من تلك الأشياء؟
لم أترك فراغًا إلا وملئته بكومة من القرارات المؤجلة؛ يومًا ما سأفعل كذا وكذا، ويومًا ما سأرى فلانًا، وسأذهب إلى ذاك المكان، وسأتعلم ما تركته زمنًا، سأعوض كل ما فات، سيأتي يومٌ وأشرع في تنفيذ كل ما تركته، وبدأت الكومة تكبر وتكبر حتى ملأت الزاوية المخصصة لمثل تلك القرارات، فبدأت تطغى على الفراغات المجاورة لها، حتى وصلت إلى الفراغ المخصص للحياة. باتت حياتي كومات من القرارات المؤجلة في كل مكان، تتجمع في شكل لا وصف له، تحاصرني فلا أنا أعرف كيف أحل ذلك الإشتباك بينها لأعرف من أين أبدأ، ولا أنا أعرف طريقًا للخروج، إنني حتى لا أرى بابًا هنا.
وتجاهلت الأمر، نعم بعد كل ما حدث استمررت في نفس رد الفعل تجاهه، حاولت تجاهله بكل ما أوتيت من قوة، حاولت التقليل من شأنه، وإقناعي بأن كل شىء على ما يُرام، وإن لم يكن، ففي النهاية سيكون. ولكنني مازلت حبيسة الفوضى، فلم أستطع مباشرة حياتي، وزواري في سجني الذي صنعته بنفسي كانوا الفشل، الإحباط، العزلة، الإنطوائية، وأخيرًا اللامبالاة؛ التي حينما حلّت كنت قد أصابني الإرهاق تمامًا فوجدتها بمثابة المنقذ، فلم أعد أبالي. لم يتغير شىء، ولكنني أصبحت أفضل.