الخميس، 21 مايو 2015

المغامرة التلاتة وعشرين





البنت اللي كانت بتعيط لمامتها كل يوم في البيت علشان هي أطول واحدة في الفصل بتاعها، وأطول من الولد اللي هي بتحبه، دلوقتي بقت بتحس كتير إنها قصيرة وده بيضايقها، فتفتكر حكاية العياط دي فمتضايقش.
البنت اللي كانت بتشوف في المراية شكلها مش قد كده، دلوقتي بتبُص في المراية على شعرها المنكوش وتضحك وتتخيله زي آشعة الشمس، وتغني لنفسها "الشعر الغجري المنكوش يسافر في كل الدنيا".
البنت اللي كانت بتخاف إنها مش خايفة، دلوقتي بتخاف وزيادة.
البنت اللي بتقعد قبل الإمتحان على الأرض، لما كل حاجة تسوَّد قدامها، تسند ضهرها ع الدولاب، وتحط مانيكير شفاف علشان ضوافرها تنوَّر فتضحك كل ما تشوفهم وهي بتتخيلهم نجوم صغيرة في إيديها.
البنت اللي بتقعد تتفرج على الأستاذ فريد زين وتعيَّط، كالعادة، فتفتكر حاجة تستدعي للعياط فتعيَّط عليها بالمرة.
البنت دي في آخر اليوم، بتقعد ع السرير والراديو شغَّال في الخلفية بيوَّنِسها، وتكتب .. وتكتب .. في محاولة للتصالح مع العالم، وهي عارفة كويِّس إن العالم أقل بكتير من إننا نحاول نتصالح معاه، بس برضه.
بتلاقي نفسها لوحدها جدًا، فيطلعلها ناس كده من تحت الأرض يقولوها إنتي تستاهلي حاجات حلوة إنتي شايفة إنك متستاهليهاش، إحنا عملنالك يوم لوحدك كان بيدور حواليكي وكنتي مركز الكون زي ما كنتي بتحلمي.
فتقوم هي تحس إنها مش مبسوطة، ولازم تنكد على نفسها، فـ تقوم تكتب التفاصيل الجميلة المُفرحة، بدون ذكر لأي أفكار سودواية عميقة هي هتنساها على كل حال لو ماتمش تدوينها.
كل صيف، بتلم حياتها في شنطة وتروح البيت التاني علشان تزَّرع هناك، ربنا عمره ما خذلها مع إنها خذلت نفسها كتير .. وبالرغم من إن الإتنين وعشرين محاولة اللي فاتوا مكانوش قد كده، بس هي عارفة إن لو الشريط إتعاد من الأول مكانش هيبقى غير كده، كل حاجة صغيرة حصلت أو محصلتش هي حتة منها، اللعثمة في الكلام وكسوفها من شكل ضحكتها ونضارة النظر بتاعتها ولما بتقعد تشتكي لربنا في الشباك كل فين وفين لما الدنيا بتضيق أوي، وكل عياطها اللا مُبرَر قبل المُبرَر .. كل ده هي. وهي قررت –أخيرًا- تقبل الباكيدج ده كله كده على بعضه من غير أي كلاكيع نفسية تجاه أي حاجة من الحاجات دي.
مش مطلوب مننا بأي شكل من الأشكال نكون سوبر ستارز ومحصلناش ونبهر في كل حاجة، مش مطلوب مننا نبهر في أي حاجة أصلًا، مش مطلوب مننا نبقى زي مقاييس شكل مُعينة أو تصرفات سليمة مظبوطة بالمسطرة.
لو عرفنا إننا –في الأول وفي الآخر- نازلين من غير كتالوجات، ومفيش روول موديل المفروض نسعى نبقى زيه وإلا هنبقى وحشين، وإننا مينفعش نقارن نفسنا بأي حد –مهما كان-، مينفعش نبص في مراية حد تاني على نفسنا، مينفعش نحاسب نفسنا على كوننا نفسنا.
مش مطلوب مننا إننا منغلطش. ربنا نفسه قال لو مكناش إحنا بنغلط، كان جاب بدالنا ناس تغلط علشان يتوب عليهم.*
المشكلة إن المجتمع بتاعنا بيضغط علينا دايمًا علشان نكون مُجرد نُسخ من موديل اخترعه وقرر إنه يكون هو الصح المطلق والوحيد. الموديل ده بيحب نوع مُعين من الأكل، بيلبس ستايل مُعين من اللبس، وبيخرج في أماكن مُعينة، بيحب مُطربين ومُمثلين مُعينين، وبيقرأ كُتب مُعينة، ليه آراء سياسية وإجتماعية مُعينة، بيتكلم بطريقة مُعينة، وغالبًا بينتقد طول الوقت أنصاف بني البشر اللي مش بيعملوا زيه، وبيكونوا في نظره ناس درجة تانية، أصحاب مستوى ذكاء منخفض وعندهم إعاقة ذهنية ومتخلفين ورجعيين وبلدي وبيئة ومبيفهموش. لما حد من الأنصاف دول بيرتقي لمستوى الموديل بيبدأ يعمل زيه ويستمر في إحتقار اللي كان بينتمي ليهم. المجتمع إتقسم لـ 3 أجزاء، جزء ناسخ ومنسوخ، وجزء مُختلف بيتقال عليه متخلف، وجزء مش مهتم. إحتكار مفهوم الصح بقى تريند وبقت كل الناس بتجري علشان تبقى في الكاتيجوري الكوول. مع إن الطبيعي، والمفروض، إننا نبقى بنحارب علشان منبقاش شبه بعض، مش العكس.
البنت دي بقى، غالبًا، مش شبه حد، علشان كده طول الوقت الدنيا بتحسسها إنها أقل من بني آدم كلهم، وإنها عُمرها .. عُمرها ما هتبقى كويسة.
هاي، إحنا متخلقناش علشان نبقى كاملين عامةً.
ودلوقتي، كبرنا كفاية لإننا نقف في وجه العالم ونقوله: طظ فيك.
إحنا بقالنا إتنين وعشرين سنة بنحاول نلاقي نفسنا، على إعتبار إن نفسنا دي حاجة مش موجودة دلوقتي، مع إنها كانت موجودة طول الوقت .. إحنا بس مكناش واخدين بالنا إن دي هي .. إحنا.

...




الأربعاء، 20 مايو 2015

خُد مني الحنين



بالأمس حلمت بك.
...

"الأشياء الجميلة لا يجب أن تكون حزينة." .. وأنا لست جميلة بالقدر الكافي، ربما، لذلك، لا أستطيع ألا أكون حزينة.
أن ترى أنك تستحق الأفضل، تستحق أن تحظي بسعادة مؤقتة على الأقل، هو ما يجعل الشعور بالسعادة "أوبشن" مُتاح لك.

...

على قد ما إنتظار الموعود واليقين بيه فعل مُرهِق وصعب وبيستنزف طاقتنا في كتير من الأحيان، إلا إنه الحل الوحيد للسلامة النفسية والوقاية من لحظات الإنهيار والإستسلام للإستسلام واليأس من الحياة. فيه أمل، أيوة والله العظيم فيه أمل إن شاء الله، ولو طلع مفيش أمل في الآخر، هنبقى ضحكنا على نفسنا سنين طويلة وصبَّرنا نفسنا، أحسن من ضيعناها في البُكا ع الأطلال ثم البُكا ع اللبن المسكوب.
...

س - ليه كل حاجة حلوة عُمرها قصيَّر؟
ج - لأننا لا نكتفي أبدًا بالحاجات الحلوة، مهما طال عُمرها، هيفضل عُمرها قصيَّر.

...

بالأمس، أزهرت ست وردات في منتصف غرفتي، صفراء وحمراء وزرقاء وسماوية وبيضاء وأرجوانية، جذبن آشعة الشمس إلى داخل الغرفة حيث استقرن، ثم ذهبن وتركن لي عطرهن في رُكن حميم .. بشكل ما، لا أرى الأرض هنا صالحة لمثل هذا النبت الطيب.

...

-س: ومنين أجيب صبر لسنة، أعمل إيه؟
-ج: إعملي الصح.

...

الحياة فعل سخيف ومُمل وملوش أي لازمة، وإحنا اتوجدنا هنا بمحض صُدفة سخيفة بحتة، ومحتاجين ن-جيت أوفر إت علشان نقدر نكمل اللعبة دي للآخر، ونصدَّق إننا بنعمل حاجات حقيقية، لحد ما تخلص ومنكسبش أي حاجة خالص.

...

س- ليه يا بنفسج بتبهج وأنت زهر حزين؟
ج- وحدهم الأكثر حُزنًا مني هم من يشعرون بالبهجة لرؤيتي، فاللي يشوف بلاوي الناس تهون عليه بلوِته.

...

-"مينفعش تلبسي الإيشارب ده في عزا، ده يتلبس في خطوبة.. أنا بأقولك كده علشان متعمليهاش تاني."
-"ربنا يجعلها آخر الأحزان."
-"بس هي مش هتبقى آخر الأحزان."

...

-س: ليه يا زمن مسيبتناش أبريا؟
-ج: نُعيب زماننا والعيب فينا، وما لزماننا عيبُ سوانا.

...

-"العزا ده حاجة وحشة أوي."
-".. " .. يخذلني صوتي عند جملة "الموت هو اللي وحش أوي."

...

س- ليه خليتني أحبك؟
ج- لا تلومني، ولا أعاتبك.

...

تخبرني نبتة النعنع في الشُرفة الصغيرة بأنها عطشى، أبتعد بها عن الشمس فتهدأ. وأبتعد أنا عن كل ما يجعلني "عطشى" .. أتناسى الفراغ الذي يلتهمني بالتدريج، وأحاول أن أضعني بعيدًا .. طاقتي قليلة، وأنا أدرى بها، وأحينًا يكون كل إهتمامي بكيفية إضاعة تلك الطاقة التي لا تكفي شيئًا، فلأحترس قليلًا لعلي أستطيع الفرار بها .. لعلي حين أفر تتضاعف هي بطريقة ما فتصبح الحياة ألطف وأقل حرارة.

...

...

س- ليه يا قلبي كل يوم بتحب واحدة؟
ج- فراغ عاطفي.

...

الشُكر موصول للجميلات، أمل وسارة ورضوى ويُمنى وشروق، والجميلة ريم .. للترتيب والمجهود والجمال والحنية والحلاوة والحرية والشقاوة والطعامة واللذاذة وطلوع الـ 8 أدوار، وعلى حتة النور اللي زودوها في حياتي.

...

س- طب ليه بيداري كده؟
ج- بيستهبل.
س- وإنتي لما بيستهبل، بتعملي إيه؟
ج- بأستهبل.