الاثنين، 29 ديسمبر 2014

جدل الأحلام ع الكسَّارة



دخل الشـتا وقفـل البيبان ع البيوت

وجعـل شـعاع الشـمس خيط عنكبوت
وحـاجـات كتير بتمـوت فى ليل الشتا
لـكـن حـاجات أكتر بترفض تمـوت*
.
.
.

رفيق الأحلام المؤجلة والواقع اللي بيدينا بالجزمة/ علي

إزيك كده؟
أنا عارفة إن بقالي كتير مبحكيش، بس إنت كمان بقالك كتير مبتسمعش، وما بتقوليش على شيء يسندني في وسط العك..
أنا منسيتش أبدًا والله، ولو عندك شك، خلي عيونك معايا لحد آخر الرسالة الإلكترونية المزعومة دي..
أنا فعلًا بأمشي جوه الحيطة..
تعرف؟ أنا مبقيتش أقدر أقول حاجة ..
بأحوَّط قوقعتي بكل الونس اللازم وديكورات خيالية وناس وهميين، بأتكلم معاهم جوه دماغي، بأأجل رغباتي المكبوتة في زلابيا بالسكر أو حتة دوناتس وكوباية نسكافية مظبوطة .. للا شيء يا علي .. للا شيء.
بقيت بأسهر كتير والليل بيطول معايا .. بنوَّنس بعض بحواديت أفلام ومزيكا وساعات أكلات مُعتبرة من بره البيت ..
الدنيا بره أوضتي بقت سخيفة جدًا يا علي ..
مين يقدر يكون غير نفسه؟
وأنا عارفاني خلاص دلوقت .. سيادتي مبتحبش ذلك العالم الكئيب الكامن بره باب أوضتها الأكورديون ..

...

متغربين إحنا جدًا بقى يا أخويا ..

بأكره إحساس إني تعبانة أوي، بأكره العيا والأدوية والدكاترة.
ومبحبش في الدنيا أكتر من إني أصحى يوم الصُبح ألاقيني عارفة أتنفس ومفيش حاجة بتوجعني ..
أو إني أنام أصلًا من غير ما أصحى في نُص الليل من التعب ..
ونفسي في يوم من الأيام أقدر أخفف وجع الناس بجد يا علي.


صحيح، أنا خلاص عرفت اللعبة ماشية إزاي، إحنا بنجرَّب سلسلة من المشاعر من غير ترتيب مُعين بس بنعدي عليهم كل مرة بإستمرار، الموضوع شبه الدايرة، إكتئاب، خوف، توهة، ...
الدور المرة دي ع الوحدة.
وأنا كوكب ماشي لوحده ومفيش للوحدة حدود** ..


....


بأتبسط بحياتي كواحدة عندها اتنين وعشرين سنة إلا كام شهر، بتكبر أسرع من المتوقع وبتحارب العالم بشوكة حلويات صُغيرة بلاستيك.


بأواجه العالم بعنين نعسانة وملامح بهتانة، ولوني بيبهت كل يوم عن اللي قبله، مبقيتش بأحس إني مكتئبة أو زعلانة، مبقيتش فارقة. بألاقي جسمي بيشتكي بأعراض مختلفة وكأنه بيحاول يقولي إني مش كويسة وإني لازم أعمل حاجة، بينبهني بطُرق مختلفة بس أنا حقيقي مش عارفة أعمل إيه علشان أبقى كويسة وهو مش بيساعدني بحلول.

بأفكرني بكل الحاجات الحلوة اللي بتحصل من وقت للتاني، بأغمض عيني عن كل الوحش اللي حواليا علشان مفيش فايدة ومش هيمشي وهيفضل مكتفني، بأتعامل مع حياتي بإيجابياتها وسلبياتها وكأني مليش علاقة بيهم.

....

البدايات صعبة، والتكملة صعبة، والمحاولة صعبة .. في الحقيقة، مفيش حاجة في الدنيا سهلة.

شايف عملت إيه فينا السنين؟ فرقتنا .. غربتنا .. رجعِّت فينا الحنين ..
متخيل نفسك فين بعد خمس سنين -أسخف سؤال إنترفيو في الدنيا- ؟
لو هأتكلم على كمان عشرين سنة كده، ومع الخطة اللي المفترض نمشي عليها، ولو هنبقى متخرجين وبنشتغل ومتجوزين وإحتمال نكون جبنا للعالم البائس ده كائنات أرضية أبئس منه .. وبنحاول نعمل حاجات يفتكرونا بيها قبل ما نموت، أو يمكن نكون مُتنا ورحنا في مكان تاني وجسمنا اللي بنستخدمه دلوقتي ده ينام في التراب ..
أفكار مُبهجة نبدأ بيها السنة زي ما إنت شايف ..
المُهم، عايزة أقول إني أحيان كتير مبصدقش إني عايشة يا علي، مبفهمش يعني إيه أنا كائن ليه إرادة وجواه روح وبيتنفس لوحده وعندي حاجات جوايا مسئولة عن إنها تخليني أفضل عايشة وشغالة لوحدها كده من غير ما أقولها، بس اللي استغربله أكتر كون فيه حاجات خاضعة تحت أمري أنا وأنا اللي بأتحكم فيها .. زي الحركة والكلام ..إلخ.
مبفهمش يعني إيه عايشة .. مع إني عايشة!
أهو ده بيخليني مفهمش برضه يعني إيه هأموت، هو أنا كنت فهمت يعني إيه عايشة أصلًا لما أفهم يعني إيه مش عايشة.

بس لو على الأفكار المُبهجة، فيه .. مثلًا لحظات لما بنلاقي الدنيا بتدينا فُرصة جديدة نصلَّح بيها العك اللي عكيناه قبل كده ..
لما بنلاقي الدنيا رضيت عننا شوية وبطلت تطلعنا من نُقرة لدُحديرة ..
لما بنرقص .. دي من أحلى الحاجات المُبهجة على الأرض .. أنا حتى بأسأل لو فيه عندنا حاجة شبه كده فرقة عروض رقص في الكلية بس مش عارفة أوصل لسه، بس مصيري هألاقي حاجة أرقص فيها في براح أوسع من مساحة أوضتي ..


بالحسابات الأرضية داخلين في الـ 2015 وبنكمل سكتنا في الـ 22 سنة ..  22 سنة .. إحنا كبرنا أوي.. كبرنا بسرعة.
أنا مش عايزة أكبر وأبقى من الناس الكُبار اللي بيشيلوا مسئولة، فيه مقولة لأحمد خالد توفيق بيقول :" أتمنى أن أبكي و أرتجف , التصق بواحد من الكبار , لكن الحقيقة القاسية هي أنك الكبار! .. أنت من يجب أن يمنح القوة و الأمن للآخرين."

تفتكر منين يجيب الواحد حاجات يديها للناس اللي حواليه؟ طاقات حب وسلام يصدرها للعالم وهو جواه كآبة وبؤس وإحباط .. لو هأتمنى حاجة في 2015، هتبقى إني أبقى قادرة اتعامل مع الواقع من تاني من غير ما أحس إنه مبيعنينيش في شيء.. أتعامل مع الناس من غير ما أحس إني مش محتاجاهم..

مش عارفة عندي حجات أحكيهالك عن السنة اللي فاتت ولا لأ، لأني حاسة إني حكيتلك كل حاجة ..
بس عارف؟ مبتمناش إنه كان يحصل عكس اللي حصل، الحدوتة كده ماشية كويس.

أنا كان نفسي السنة اللي فاتت في حاجة، محصلتش، وحصلت حاجات يمكن أحلى بكتير.. فأنا مبقيتش عارفة أتمنى إيه للسنة الجديدة ..
هو يا ترى إحنا اللي بنعيش الزمن ولا الزمن هو اللي بيعيشنا زي ما قال على الحجار؟ أو زي ما قال وائل جسار أيام وبتعيشنا وفاكرين إننا عايشين.

....

أنا كنت فاكرة زمان إني جاية هنا أغيَّر العالم .. بس فعلًا لما كبرت شوية عرفت إن أنا هأبقى عظيمة بجد لما أخلِّي العالم ميغيرنيش.
مفيش حاجة مُمتعة في الدُنيا قد إنك تُقف في وش المفروض واللازم وتتحداهم .. مفيش أصلًا حاجة مُمتعة غير إنك تعمل الحاجات اللي شبهك، مش الحاجات اللي العالم عايز يلبسهالك على مزاجه.
....


*  عم
چاهين
** عمر طاهر

الجمعة، 26 ديسمبر 2014

متلازمة السجين

لونٌ أبيض ساطع يطغى على كل شيء، خطوط سوداء متداخلة تبدأ في الظهور، لا يبدو أنني أرى بشكل جيد. خطوط متوازية ملوَّنة ولكني لا أستطيع تحديد لونها. يبدأ وجه إنساني بالظهور في مجال رؤيتي، لا أتعرف عليه ولكنه يبدو مألوفًا. محاليل مُعلَّقة وأسلاك مُتصلة بها. نور يأتي من مصباح كبير موجه إليَّ بالضبط. أغمض عيناي وأفتحهما بعد قليل ومازلت لا أرى جيدًا، أحاول أن أجول بعينيا في المكان ولكنني لا أرى سوى ضباب يطغى على الصورة أمامي، أماكن مضيئة وأخرى مُظلمة. أنتبه لصوت يقول "مرحبًا"، أتوجه ببصري إليه، أسأل "كم مضى عليَّ .." وقبل أن أكمل أرى طبيبين يتحدثان على بُعد خمسة أمتار مني، "رض قسري على الرأس.. ومنذ الحادث عجز عن..". أسأل "لِم أعجز عن النهوض؟ وما خطب ساقي؟" .. لا أحد يلتفت إليَّ. أُكمِل "لماذا لا يجيبني أحد، ألا تسمعونني؟" يأتي طبيب ذو شعر أبيض ولحية خفيفة، ممتليء قليلًا، ويقف أمامي قائلًا "قلب رائع للزرع". رباه، إنهم لا يعلمون بوجودي أصلًا!

أسمع صوتًا آخر يأتي من على جانبي الأيمن، "إنك تخرق أغلب القوانين الأخلاقية والمهنية، إذ تنتزع قلب رجلِ مازال حيًا". ألتفت إلى مصدر الصوت وأهتف "شكرَا لك!" فإذا بي أجد الطبيب الذي يريد الحصول على قلبي يجيبه "هلا عُدت إلى سريرك يا أستاذ رجاءً". يأتي الصوت الأيمن "في الواقع أنا طبيب". يقاطعه سارق القلوب "أنت هنا لأنك كنت في حادث، وليس لأنني طلبت إستشارتك. هذا الرجل ميت دماغيًا، الموجات الدماغية الصُغرى لا تعني أنه حي. لا تتعب نفسك." تفاجئني كلماته فأصيح "لا! أنا هنا، كيف لا يمكنكم إدراك أنني حي!" يُكمل قائلًا "لم يستجب القلب للتحريض بالألم أو الحرارة أو البرودة". أدور ببصري في المكان الذي أدركت بأنه مشفى بعد أن تحسنت رؤيتي قليلًا ولا أستطيع تمييز سوى طبيبي الذي يجزم بأنني ميت، يأتي صوت مُنقذي من اليمين "إذن لماذا تتبعك عيناه؟" أصرخ "استمع إليه أرجوك!" يجيبه "حركة التتبع منعكس لا إرادي، أنت طبيب ولابد أنك أعلم بهذا". يظهر وجه صاحب الصوت الأيمن أمامي أخيرًا، ذو وجه طويل يظهر عليه آثار لجروح صغيرة متفرقة وعيون بنية واسعة، يبدو أنه يخاطبني هذه المرة، قائلًا "وأنا كذلك أعلم بمتلازمة السجين... اطرف بعينك إن كنت تسمعني."
أجيب بسرعة "أنا أسمعك!" .. أتذكر أنه هو من لا يستطيع سماعي، أحاول أن أستجمع قواي لأطرف، فعلتها!

يفحص طبيبي عيناي بكشاف نورٍ صغير، ليعلن بعدها أن حركتهما إرادية، ويقتنع أنني مازلت على قيد الحياة،  يطلب مني أن اطرف مرة للإيجاب ومرتين للنفي. يسألني الطبيب المُنقذ "ما هو الجذر التربيعي لتسعة؟" .. أطرف ثلاث مرات. "الدماغ يعمل بكفاءة". يخبرني الطبيب الذي كان يريد إنتزاع أعضائي "لقد ابتليت بحادث تسبب في أذية جذع الدماغ مما يحجب قدرة دماغك على الإتصال بسائر أعضاء الجسم. مازالت هناك حركة في عينيك، يمكننا وضعك في مصحة حيث تتعلم كيفية التواصل .." سيدعونني إذن عالقًا هكذا. يُعطيني الطبيب الآخر أملًا جديدًا "سكتة، أو ورم، أو حتى عدوى بسيطة قد يكون سببًا في الحادث، وكل ذلك قابلًا للعلاج". يطعن طبيبي الأمل بسكين قائلًا "لابد أن يتقبل ما حدث له ويعمل على إستغلاله بالشكل الأمثل".  

أتأمل سقف الغرفة الصغيرة التي وضعوني بها، وربما لن أستطيع أن أرى سواها لفترة لا أعلم كم ستطول. كنت مُدركًا تمامًا لما يحدث في محيط الغرفة. سمعت الطبيب يحادث أحدًا قائلًا "بغض النظر عن الحادث، جلطة في الشريان القاعدي أو نزف دماغي من الممكن أن يكون سببًا في الحالة. لكن المسح الطبقي كان نظيفًا." يُكمِل "والرنين المغناطيسي أيضًا لم يُطهر أي أورام دماغية". يبدو أنني سأظل هكذا لفترة لا بأس بها قبل أن يكتشفوا ما الذي حلَّ بي.
أفتح عيناي ولا أدري متى أغمضتهما، لأعلم بأنني أعاني أيضًا من فشل في الكبد، وأنني قد اجتزت نوبة للتو. أحاول أن أخبرهم بأنني قد يأست، لا أريد أن تستمر حياتي على نفس المنوال، أريدها أن تنتهي بسلام لا أن أعيش ولا أستطيع التواصل مع العالم إلا من خلال طرفة عين. ولكنني لا أستطيع سوى أن أغلق عيناي وأفتحهما.
يظهر أمامي وجه طبيبي الآن "اظهرت التحاليل فحص إيجابي لـ  ... لقد دمرت العدوى كبدك، مما حرر سمومًا وأصابك بمتلازمة السجين. سنضعك على العلاج الصحيح". أهمس أن أتمنى أن يكونوا محقين، أو ليُخطئوا وينهوا على ما تبقى مني.

"حاول تحريك اصبعك" يظهر الطبيب موجهًا كلامه إليَ، بعد ثلاثة أيام هم الأسوأ في حياتي على الإطلاق. "على دماغك أن يعتاد عمله مجددًا، حاول أكثر. أنا واثق أنك فقدت الأمل، ولكننا عرفنا ما بك الآن". أحاول أن أرسل أمرًا لإصبعي بأن يتحرك. تحرَّك .. تحرَّك الآن. تظهر أمامي يد الطبيب وقد أمسك بيدي وأرى إصبعي يتحرك بالفعل. "مرحبًا بعودتك" يقولها ويرحل.

...

Dr.House Season 5 Episode 19

الأربعاء، 17 ديسمبر 2014

الحرب التي لا تبدأ أبدًا

أكتب لعلي استقر.

لا يخبرني أحد بشيء لأنه ليس هناك أحدًا سواي.
لا تخبرني نفسي بشيء.
أراني أدفع بالزمن ليمر، أراني لا أهتم بما سوف يحدث.
أعلم أنه أيًا كان لن يكون كافيًا.
لقد خسرنا أحلامنا وضاعت ولن يعوضنا عنها أيًا ما كان.


أكتب لعلي أعرف ماذا يدور بالعالم، وبي.

أنتظر أن أشعر بشيء يمكنني التعيبر عنه.
أنتظر أحداثًا أسردها لأستعيدها يومًا عجوزًا بشعرٍ هزمه الشيب.
أنتظر أن أقف فجأة لأقول "وجدتها!"

أكتب لأنني لا أدري ما يمكنني أن أفعله سوى ذلك.


...


أحتاج إلى ما يربطني بهذا العالم قبل أن أنجرف بعيدًا عنه تمامًا فلا أستطيع العودة.

أكاد أمتلك من الغُربة مقدار جاذبية عطارد، أو ربما أكثر.
أنسى أنني يجب أن أواجه كل ذاك في وقت ما.
أنسى أنني في حالة حرب، وأُعلن هُدنة زائفة طويلة.
أحتاج إلى مدد، إعانة ما تُعينني على أن أبدأ الحرب مرة أخرى، أو بالأصح أبدأ في أن أبدأها.
إشارة قد تُفيد، محطة إنتظار، أي شيء.
لماذا يضيق العالم بنا إلى هذا الحد؟
أكنا ممن نُسيوا وخُلقوا وحدهم، في وسط فراغ لا نهائي؟

...

أسير ليلًا وحدي بخطوات سريعة ومتباعدة نسبيًا، تحت ضوء أصفر يميل إلى الإحمرار يفترش الأرض، أراقب ظلي وهو يسبقني إلى جهة لا أدركها بعد، أهمس "يا رب، ناس حلوة، آمين".

الجمعة، 12 ديسمبر 2014

هلوسة



أفتح عيناي على عشرِ سحاباتٍ معلَّقاتٍ في سقفِ الغرفة الصغيرة التي بالتأكيد لا يتسع سقفها لعشر سحابات كاملات. أظن بأنني أحلم أو ربما خداع بصري له علاقة بالسهر طويلًا بالأمس.


...


رأيت فيما يرى النائم ساحة تتسع لتعداد سكان بلد أجمعين وقد اجتمعوا وكأنهم على ميعاد، كلُ يرتدي ذات اللون الأسود القاتم الذي لا يكاد يُطهر من أجسامهم شيئًا، وكأنما قد أعلنوا الحداد الأبدي على شيء عظيم، لا تبدو على ملامحهم أكثر من نظرة واسعة متطلعة إلى الأعلى، لم أعرف إلام ينظرون ولكنني فعلت مثلهم،  شعرت بأن المنظر غير مُعتاد، وبعد تفكير قليل تمكنت من إدراك الإختلاف، بأن لون السماء لم يكن سوى أحمر قاتم .. كنا -جميعًا- نشترك في البحث عن شيء ما .. كنا ندركه في المشهد ونبحث عنه، ونسأل عنه بعضنا البعض إن كان منا من قد رآه.

بدأ الجو يزداد برودة، وبدأت تهب علينا رياح مُحمَّلة برائحة لها مثل رائحة البارود، جعلت دموعنا تسيل شيئًا فشيئًا حتى ابتلت التربة من تحتنا فوجدناها وقد نبتت منها أشجارًا تُثمر فاكهة لها طعم ما بين المانجو والأناناس ولها لون مثل لون الشمس. ولكننا حين نظرنا إلى كفوفنا وجدنا قطرات لها لون الدم، لم تكن كل تلك المياة سوى أمطار اصطبغت بلون السماء. حاول البعض -في وسط السيول- بأن يشعل نارًا لعلنا نتدفأ بها أو نجد منها نورًا يؤنس وحدتنا، أو ربما وجدنا ضالتنا التي نبحث عنها. في البدء حاول اثنان أن يشعلوها بالثقاب وفشلوا..لم يفكروا كيف لهم بإشعالها تحت الأمطار مباشرةً. اعترض آخرون وذهبوا يحاولون توليد شرارة بأسلاك الكهرباء من سيارات كانت تنتظر في مُحيط الساحة. أما الفئة الكبرى سارت تشعل نيرانًا ولَّدوها من اللا شيء في كل شيء حولنا غير عابئين بأن يصيبوا ما يصيبوا أو من يصيبوا، كانت الغاية هي النار، ونسوا الضالة الكبرى التي اجتمعنا من أجلها. دفعهم البرد إلى الجنون فأحاطونا بألسنة اللهب التي لم تقو على إطفائها أمطار السماء الحمراء ..  وبينما الباقون بقوا لا يفعلون شيئًا، ينظرون إلى السماء تارة، وفي وجوه بعضهم تارة، يحمِّلون الإثم بعضهم البعض.

وجدتني أقف بجوار فتاة صغيرة لا يتعدى عمرها العشرة أعوام، سألتها مع من أتت ولماذا تقف هنا وحدها، أجابتني بأنها قد أتت معي، وأنها هنا لترشدنا ولكن لا أحد يستمع إليها. أخبرتني بأننا نفعل هذا كل يوم ثم نعود إلى حياتنا فلا يتذكر أيًا منا ما فعلناه. قالت بأننا سنبقى نعود لنجتمع ونبحث حتى نجد ما نبحث عنه. سألتها وما هو هذا الذي نبحث عنه، أجابتني بأننا نبحث عن اللون الأبيض في المنتصف، بين الأحمر في السماء والأسود المتمثل فينا.

ــــــــ

نُشرت مُعدَّلة في ضربة شمس - التحرير - عدد الخميس 11 ديسمبر 2014

الأحد، 7 ديسمبر 2014

متلازمة الباندا الحزينة





الأعراض:
1 - كسل مستمر يشمل جوانب الحياة الأساسية.

الأسبوع التامن طار في الولا حاجة، بس وصلنا لنقطة: أنا مبعملش حاجة دلوقتي سو لازم أتحرك، وبتتحركي؟ آه .. أو لأ .. يعني مش عارفة. احنا بدأنا الأسبوع التاسع بقرار "أنا هأقلل الحاجات اللي هأحضرها للنُص".
المُهم، وجود إمتحان مش مذاكراله كفيل بإنه يحفِّز تعب جهازي الهضمي والدوري، علشان أعاني أسبوعين من وجع مستمر وهبوط ودوخة غير مُبررة. "كُلي كويس، لو كلتي كويس مش هتحتاجي الأدوية دي كلها". أكتشيوالي يا دكتورة أنا مش بآكل أصلًا، أنا عايشة ع الباتية بالجبنة والبطاطس المحمرة. وكنت بأقضي يومي بأشرب شاي ونسكافيه وبيبسي وعصير تفاح. بعد ما اتمنعت من كل ده + الأكل الحادق والحرَّاق والتقيل .. مبقيتش عارفة وات إز ليفت الحقيقة. أنا أصلًا كائن مبيعرفش ياكل إيه.

فارما .. كل الناس بتتكلم ع الفارما، اتكلمي عنها إنتي كمان تو فيل ذات يو آر إنڨولڨيد يعني.

2 - تصنيف جميع الأشياء تحت بند "غير مُهم."

الله .. هأملى الأبليكيشن وأبعتلهم .. كلموني .. أنا مليش مزاج أنزل الإنترڨيو .. طيب خلاص مش مُهم.
الله .. يلا ننزل السيشن يوم السبت .. لأ أنا مليش مزاج .. هبة إنتي مقولتيش إنك مش هتحضري .. أوه، أنا كنت فاكرة باين من عدم إهتمامي الفترة اللي فاتت إني مش جاية .. كان واضح أوي يعني إنتوا اللي أغبيا .. إني واي سوري، وأنا مش جاية تاني بس مش هأقولكوا دلوقتي.
هبة عندنا بريزينتيشن وعندنا أوبيننج وحاجات، شغل كتير، بس أنا مليش مزاج يا جماعة إنتوا بتختاروا أوقات غريبة بصراحة. هبة ملهاش مزاج تعمل حاجة .. يبقى كل حاجة تقف .. مش مُهم.
مين قال هيكتب؟ أنا قلت هأكتب؟ أنا جيبت سيرة بس إني هأفكر في حاجة أكتبها؟ أنا أصلًا مبعرفش أكتب.

الموضوع بيرسى على خطط فاشلة كتير أوي في الآخر بتُصيب بالإحباط.

3- فقدان الإتجاهات/ البوصلة الشخصية.

طب إيه الشبورة دي يا جدعان أنا مش شايفة أنا رايحة فين دلوقتي. وقَّف الدنيا دي بقى كده على جنب شوية، هو إحنا كنا عايزين نروح فين أصلًا؟ آه .. طيب طيب. إحنا كنا عايزين نروح هناك بقى ليه؟ أوكي فهمت. طيب دلوقتي مش بنمشي صح ليه؟ هو إحنا بدأنا نتوه تاني ليه أصلًا ما إحنا مشينا هنا قبل كده.. لا حول ولا قوة إلا بالله .. طيب إستنوا محدش يتحرك، أنا هأفكَّر .. أو سيبوني أسبوع مبفكرش في أي حاجة يمكن أرجع طبيعية لوحدي أو أنسى سبب إننا وقفنا إيه أصلًا ساعتها مُمكن نكمِّل عادي. قشطة؟ قديمة أوي يعني.

حبة فلسفة وود بي جرايت دلوقتي:

إحنا بنخاف نتوه، بنخاف أكتر من اللازم .. ده اللي بيتوِّهنا فعلًا.
وي آر فاين.
وي آر جوود.
يوو آر سترونج.

4 - الرغبة في الإنتقام.

بصوا أنا متضايقة دلوقتي، أو عايزة أبقى متضايقة يعني، و والله لأطلعه عليكوا كلكواااااااا بقى.
أنا هأتعصب عليكوا وأحاول أتعلِّم أبقى شريرة ورخمة كفاية لإني أغلِّس عليكوا وأضايقكوا، علشان أنا الدنيا مضايقاني دلوقتي .. أو يعني انا اللي مضايقاني من الدنيا.
أنا بأعمل مشكلة من الولا حاجة.
أنا بأعمل ولا حاجة.
في الواقع، أنا بأوقَّف حياتي علشان حاجة أنا أصلًا مبعملهاش. مش بأقول جرايت والله.

5 - أعراض جسمانية مثل: صُداع، غثيان، هبوط، آلام في منطقة البطن والصدر، آلام في العضلات والمفاصل، صعوبة في التنفس، مع فُقدان شهية أو فرط في الشهية.

أكتر حاجة بتضايقني بقى إني أبدأ خلاص أهو هأبقى كويسة أهو أهو .. هوب، أنا مش كويسة، طيب ده إختبار يعني ولا إيه؟ يعني دي الخطوة اللي لو عديتها كل حاجة هتبقى كويسة خلاص؟

آه يا ربي ليه مفيش علامات بتنوَّر كده طول السكة تقولنا برافو إنتوا ماشيين كويِّس .. أو لأ متمشوش من هنا .. معلش حبة كمان وكل حاجة هتتظبط ..
طيب ينفع يبقوا على هيئة بني آدمين شبه د.هاوس كده؟



الجمعة، 5 ديسمبر 2014

الذي يحدُث فِي الكُولِيس



الفتاةُ الصَغيرةُ، التي لَم تَكٌنْ تَعرِف عَن العَالَم أكثَر مِمْا يَعْرِفَهُ نِيمو عَن المُحيط، كَبِرَتْ لِتجد بأن سِنها لَم يَمنحَها "ڨيزا" المُرور إلى دائرة المُدركين لِما يَحدُث. الفتاةُ كانت تَمْتَلِك مرهِف بداخِلها يُنهِيها دائمًا عَن مُحاولة لَمْسِ البخت.

" وَلَكِنَّ الْعَالِمَ كَبِيرٌ جَدًا، وَأَنَا صَغِيرَةٌ جَدًا".

كَانَ
أَكْثَرُ مَا يُؤَرِّقُهَا هُوَ أَنَّهَا وَاحِدَةٌ، مَنْ رَقْمِ تُقَارِبُ أَصْفَارَهُ اللّاَنِهَائِيَّةِ، مَنِ الْبُشْرِ.

كَمْ يَلْزَمَ الْمَرْءَ مَنْ مُحَاوَلََاتٍ لِكَيْ يَسْتَسْلِمُ ؟ وَاحِدَةٌ فَقَطُّ ؟

" رُبَّما لَيْسَ مُقَدَّرٌ لِي أَنْ أَحِلَ فَرَاغًا مَا لَا يمتليء بِسَواِيِ..
أَوْ لَمْ يَكِنْ مَنِ الْمُفْتَرَضِ أَلَا أَتَحَرَّكْ بإتجاه عَكْسَ عَقَارِبِ السَّاعَةِ حَوْلَ الْغُولِ الَّذِي يَبْتَلِعَ حَيَّاتِي بِالتَّدْرِيجِ حَتَّى لَمْ يَبِقْ مِنْهَا سِوَى أَجْزَاء ضَئِيلَة مُتَنَاثِرَة لا مُتَرَابِطَة أَكْتُبُ عَنْهَا..
رُبَّما لَمْ يَكِنْ مَنِ الْمُفْتَرَضِ أَنْ أُوجَدَ..
حَاولتُ الهَرَبْ وَلَكِننِي لَم أعرِف أيْنَ يُمْكِنَنِي أنْ أخْتَبِيء". 

لَطَالَمَا
اِعْتَبَرَتْ نَفْسُهَا الْفَتَاةَ الَّتِي وَجَدَهَا الْكَوْنُ لِيَخْتَلِف، أَكْثَرُ مَنْ مُجَرَّدِ عَدَدٍ، كَمَا اِعْتَبَرَ "راتاتوي" نَفْسُه أَكْثَرُ مَنْ مُجَرَّدِ فَأْرِ صَغِيرِ يُحِبُّ الطَّبْخَ الَّذِي لَا تُحِبهُ.
وَمَا أَكْثَرُ مَا كَانَتْ لَا تَحْبُهُ، لَا تَحْبُ الْعَبَثِيَّةَ، وَلَا الإستعراضية، وَلَا الْعِلاقاتُ الْإِنْسانِيَّةُ.



كَانَتْ تَنَظُر إِلَى حَيَاتِهِمْ بإستمرار، تُقَولُ " كَيْفَ لِهُمْ أَنْ يَحْصُلُوا عَلَى كُلِ شَيْءٍ بِبَساطَةِ؟"، تُكْمِلُ " بَسّْ إنتِ متعرفيش إيهِ اللي بيحصل فِي الكواليس.."
 رُبَّما لَوْ عَرَفْتِ لِوَجَدْتِ أَنَّ الْحَيَاةَ مَا هِي إلا رِوايَةَ وَاحِدَةٍ مُتكررة، وَلَكِنَّ يَرْوِيهَا كلٌ بِطَرِيقَتِهِ..
هُنَاكَ مَنْ يُحَدِّثُكَ عَنْ جِمَالِ الْوُرُودِ الَّتِي مَرَّ عَلَيهَا فِي الطَّرِيقِ، وَهُنَاكَ مَنْ يَخْبَرُكَ بِفَجاعَةِ الْحادِثِ الَّذِي وَقَّعَ لَهُ عَلَى هَذَا الطَرِيقِ..
أَمَّا الْوَاقِعَ، فَهُوَ أَنَّ عَلَى جَانِبِي الْحادِثِ كَانَتْ تَنْتَظِمَ الْوُرُودَ.
عَلَى جَانِبِي الْألَمِ كَانَتْ تَنْتَظِمَ الْفَرِحَةَ.


لَا يُمَكِنْكَ أَنْ تَعَرِفَ عَنْ حَيَاةِ الآخرين أَكْثَرُ مِمَّا يَخْبَرُونَكَ هُمْ بِهِ، سَواءٌ بِكَلاَمِهِمْ عَنْهَا او بِتَصَرُّفَاتِهِمْ / تَعْبِيرَاتُهُمْ / الطَّرِيقَةُ الَّتِي يَبْتَسِمُونَ بِهَا..
عِنْدَهَا يَمُكِنكَ أَنْ تَخْبَرَ بِسُهولَةٍ إِنَّ كَانَتْ تِلْكَ إبتسامة صَافِيَةُ أَمْ يشوبها الزِيفَ.
عِندَها يُمكِنَك بسهولة أن تُدْرِكَ بِأنهُ كَمَا لا تُوجَد جَرِيمَةٌ كَامِلةٌ، لا تُوجَد حَيَاةٌ كَامِلَةٌ.

الاثنين، 1 ديسمبر 2014

لا يحتمل العالم ثقل المُحملين بالأمل، ويحتمل أضعافهم خسة.
الخيوط الهلامية التي تربط بين المتشابهين في السوء والجمال من كل مكان، يتعثرون في بعضهم البعض بإستمرار.
الوجوه التي من فرط إعتيادها تتميز، تصرخ لتعلن عن وجودها.
التناقض المُهلك بين مريدي الحياة وكارهوها.
الموت الذي صار يتجوَّل بيننا كصاحب البيت لا ضيف عليه.
الواقع الذي لا يكف عن لطم وجوهنا بالظلم لعلنا نستفيق، وما يحدث هو أننا نزداد جُبنًا.. نزداد هلعًا.. نهرب.

الجدران التي صارت تحيط بنا في كل مكان، تضغط على أجسادنا وتمزق أوصالنا.
الحزن الذي صار رفيقًا.
الأذى الذي نُلحقه بأنفسنا حين نستسلم للأفكار اللا طيبة، فنزيد الأذى أذى.
الأسرار التي تدمي صدورنا ولا نستطيع إلا أن نحفر لها بئرًا أعمق.
الغُربة، الإغتراب، الحيرة، التيه، الشك، الخوف، الحلم.

...

يزداد البؤس في العالم بمقدار حجمه كل يوم، ولم نعد قادرين على أن نتجاهل كل هذا الكم.
لم أعد قادرة على ألا أبالي.
أريد متسعًا من البراح، وخفة قلب رضوى عاشور.
أريد أن تحملني سحابة ما بعيدًا جدًا عن هنا.
أريد أن أنام فأصحو بغير ماضٍ، أو لا أصحو.
أين يمكننا أن نختبيء الآن يا جدتي؟
هل لي أن أستمع لحكاية أخيرة قبل أن ينتهي العالم، أو ننتهي؟

الأحد، 23 نوفمبر 2014

لما الشتا يدق البيبان



كانت نار العصبية زايدة حبة عن المعتاد لأني فشلت إني أفتكر حاجة مُهمة، إحساسي بإني مليش حيلة وكل اللي بأعمله واللي بأشوفه وبأمر بيه بأنساه .. كان المطر نازل على إستحياء، بعد كده شَّد .. وأنا مش قادرة أقف أشِم ريحة الهوا  وأشوف الناس وهي بتجري مغطيَّة راسها بالكُتب والشُنط، علشان لازم أدخل المُحاضرة في الدَفا.. لو اتسألت بعد كده عن الأوقات اللي الدَفا فيها مبيكونش حنيِّن، بالعكس بيكون أبرد ما يكون .. هأقول كان الوقت ده، لو افتكرت.

يمكن تكون حالة مَرَضية زي فقدان الإحساس بالألم CIPA مثلًا، حالات نادرة اتولدوا معندهمش القدرة على إنهم يحسوا بالوجع -مش عارفة ده يتضمن الوجع النفسي ولا لأ-، مُمكن تفتكرها نعمة وهي في الحقيقة عذاب، فكرة إنك متحسش بالخطر اللي على جسمك، متسمعش جرس الإنذار اللي بيقولك فيه حريقة هنا، إجري، إطلب المطافي.


...

"There's no time limit, stop whenever you want. You can change or stay the same, there are no rules to this thing. We can make the best or the worst of it. I hope you make the best of it. And I hope you see things that startle you. I hope you feel things you never felt before. I hope you meet people with a different point of view. I hope you live a life you're proud of. If you find that you're not, I hope you have the strength to start all over again".


...

لما حسبت الوقت اللي فاضل فجأة اكتشفت إن الأيام جريت، وبرغم إني إكتشفت ده حوالي عشرين مرة قبل كده، إلا إن كل مرة بتكون كأنها أول مرة أعرف إن الدنيا بتخلص، المرة دي حسيت إن "الدنيا دي بتخُم على فكرة".. الأيام بتخلص ورا بعض من غير أي فُرصة إنك تقف تفكر في النُص .. وكل ده بيتحسب من عُمرك. والسنين بتتسرسب من بين إيدينا علشان نلاقينا نطينا من العشرينات للأربعينات إذ فجأةً كده. هييجي يوم من وراك وتلاقي نفسك بقيت أكبر من إنك تقدر تعمل الحاجات اللي أجلتها طول السنين اللي فاتت. ولما ييجي مش هيكون واضح بالطريقة اللي أنت هتبقى مستنيه بيها.
بقيت بأفكَّر نفسي من وقت للتاني بإن اللي بأعمله دلوقتي هو حياتي، اللي بيحصل حالًا هو أحداث الفيلم بتاعي مش مُجرد إعلانات قبليه، مفيش حد هنا هيقول أكشن وتبدأ حياتك اللي مستني تبدأ تعيشها، الكلمة دي اتقالت من زمان، من وقت ما أخدت أول نفس ليك ع الأرض، ومفاضلش كتير قبل آخر نفس.

بيتهيألي كمان لو اتعلمت إزاي أبُص ع الحاجات الكويسة (بس) وأعمل عبيطة عند الحاجات اللي مش كويسة، هأبقى كويسة.
يعني لو كل المخاوف والعفاريت اللي عايشة جوايا طلعت على أرض الواقع أكيد هيبقى فيه جانب إيجابي في الموضوع.
ب
س من بينهم كلهم نفسي أعرف العفريت بتاع كل ما حد يقرَّب مننا نجري نستخبى في أبعد حتة ده. إيه اللي يخوِّف في العلاقات الإنسانية يعني غير إنها مُحبِطة ومتطلبة وخنيقة؟ أيوة يعني إيه المُفزِع في إنها كومِتمِنت سخيف ومتكلِّفة وبتاخد من روحك حتة كل شوية؟
وطبعًا طول ما أنا بأكلِّمني كده عُمري ما هأعرف أبقى بني آدمة طبيعية لزجة بتكلم الناس على إنهم لُطاف في حين إنهم كلهم مُمثلين وكدّابين ومبيعرفوش يمثلوا كويِّس كمان.
ده ميمنعش إني حقيقي نفسي أبقى واحدة عادية بتتعامل بسطحية مع الناس من غير ما تفكَّر في نهاية العلاقات المأساوية والضرر -اللي مبيتنسيش زيه زي كل الحاجات- اللي بتسببه. نفسي أمتلك الجرأة اللي تخليني أحكي عن تفاصيل حياتي التافهة وأعدِّد إنجازاتي الوهمية لأي غريب أقابله في عيادة دكتور أو حد سألته على الطريق في الشارع. نفسي أكون بسيطة كفاية لإني اتكلم من غير وقفات وأرد من غير تفكير وأرغي من غير حسابات لتأثير كلامي على كل فرد موجود في المحيط اللي يسمحله يسمعني ومراجعة حياته في الفترة الأخيرة، ومراجعة إحتمالات تأويل الكلام اللي هأقوله ولأي درجة ممكن يتفهم غلط. أكون بسيطة كفاية لإني أتكلم من قلبي مش من دماغي.
نفسي أبقى رحيمة شوية بنفسي وأشوفها تستحق تتكلم مهما كان اللي عندها مش هيدي أي إضافة للموضوع، تتكلم علشان تعبَّر عن نفسها قبل ما تنساها مع باقي الحاجات.


...

صحيح الشتا مليان بهجات صُغيَّرة كده زي مج الهوت تشوكليت والبطانية وحرارة اللابتوب والدفايَّة والبرتقان وريحة المطر، بس مليان بَرد.


لكني بأحتاجلك ساعات، لما الشتـا يدق البيبان.

---

*الصورة والـ quote من فيلم The curious case of Benjamin Button

الأربعاء، 12 نوفمبر 2014

الكوميديا المأساوية



مُفتتح:
لا أمتلك الآن في مواجهة هذا العالم سوى أن أنفجر بالضحك في وجهه بينما هو يَبُخ السُمَّ في وجهي.
لست وحدي.
كُلنا نفعل ذلك بين الحين والآخر.. كُلنا.
---

"القمر من فرحنا هينوَّر أكتر .. والنجوم هتبان لنا أجمل وأكبر."

الست كانت بتعمل حفلتها كل شهر، علشان الأغاني التقيلة اللي من النوع ده مينفعش تتسمع عمَّال على بطال، بالإضافة لإنها كانت بتعيد في الكوبليهات علشان ترسِّب الأغنية جوه ودان الناس، بحيث يادوب شهر يكونوا ابتدوا يتعافوا من أثرها علشان يسمعوا واحدة كمان.

الأمر الواقع يا ولاد، الأمر الواقع.

أم كلثوم في حفلة سويت نوفمبر كانت بتقوله "أعطني حريتي أطلق يديا" .. وبعدها رجعت في كلامها وقالت "أنساك؟ ده كلام؟ أنساك .. يا سلام؟" .. ووقت ما كنت أنا بأقول "الله عليكي يا ست" .. كان شروق بتقول "الله يرحمك يا ست".

---


كم يلزمك من الليالي الطويلة التي تبحث فيها عن بوابة للإنتقال من العالم المادي إلى الذي يخلقه عقلك الباطن، فلا تجده، لتكتشف أنك بحاجة إلى إعادة ترتيب أدراج عقلك، واتخاذ بعض القرارات المصيرية، أو الأسوأ، الكتابة؟

فيما سبق، كان العالم هو سبب إحباطاتي المُتكررة. تمنيت شيئًا ولم يحدث، انتظرته طويلًا و"رجعت قفايا يقمَّر عيش". أما الآن، فأنا ناضجة بما يكفي لأعرف أن العالم فيه من العدل ما يجعل سبب إحباطي الوحيد هو أنا. لم أقم بواجبي كما ينبغي، لم أحاول بالقدر الكافي، لم أكن على مستوى المسئولية المطلوب، أو لم أفعل شيئًا لأنتظر نتيجة مُبهجة ما.
ربما كانت هذه هي أكثر الحقائق إحباطًا التي اصطدمت بها في حياتي.

تبدو الآن كل المصطلحات التي تملأ قواميس الطالب المثالي، وأوراق الإجابة النموذجية، ليست صحيحة تمامًا. إدارة الوقت، ترتيب الأولويات، الإلتزام، إتقان العمل، "بلا بلا بلا .. ". لا، الحياة خادعة أكثر من ذلك بكثير.

أو كما قال عُمر طاهر على لسان بِرما "يا صديقي الحياة بسيطة جدًا، هي صعبة فقط لأنك لا تصدق ذلك".
وأنا أحاول أن أصدِّق، ولكن الأمر ليس بالسهولة التي يبدو عليها، كما أن محاولة إقناع عقلي بإراحة مفصلي فكي لأستطيع النوم دون مضاعفات من نوعية صُداع أو تشنُّج ليس بالسهولة التي يبدو عليها. عقلي يؤمن بأن الحياة صعبة ومُعقدة جدًا، وبأنه عليه أن يقبض على فكي وكأنني أجُّز على أسناني، دون أن آمره أنا بذلك. إذًا معدتي أكثر طيبة مما ظننت، فهي لا تتمرد على قوانين الطب على الأقل.

والعالم أكثر عدلًا مما ظننت، فـ"الحياة فيها عدل كفاية يخليها تجهزك طول الوقت لحاجات هتقابلها، فلما تقابلها تكون مُستعد لها من غير ما تعرف". ولو أنك تخطيت مشكلة أو أزمة مررت بها سابقًا وتخيلت لو أن الأمور سارت دون أن تتعثر بها، لوجدت بأن الوضع غالبًا كان سيصير إلى الأسوأ، على عكس توقعاتك.

...

أنا مكبرتش لأ، أنا لسه طفلة .. بتستنى حد يقولها تعمل إيه بالظبط، تلبس إيه النهارده، تنام امتى وتصحى امتى، يجيب لها أكل ويخرَّجها ويديها مصروف. طفلة بتحلم أكتر ما بتعيش، وبتعترض على قوانين الطبيعة اللي منها إن اليوم 24 ساعة، ودول ميكفوش كل التو دو ليست بتاعتها.

لازم أعترف إن صوت شخص ما بيوحشني أحيانًا، لدرجة بتخليني أندم إني مسجلتلهمش أيام ما كانوا موجودين زي ما بأسجل دروس الباثولوجي والمايكروبايولوجي كده.
عرفت إني بقالي كتير مسمعتش حد، كنت محتاجة اسمعهم بس
أنا مش قادرة أكتب، مُرهقة، بأسهر على غير المُعتاد وبأكسر قوانين كتير الأيام دي وبأستاء لـ كده، بأخلص مصروف الشهر في أول أسبوع من غير أي خطة لـ "هأقضي بقية الشهر إزاي؟" .. وبأتناسى الأزمة مع أول إقتراح لخروجة أو لما بأعدي على بتاع الكتب.
مش قادرة أحدد موقفي هل أفرح ولا أكمِّل عادي، هل أتبسط ولا أتضايق؟
أنا عارفة إني مش مش كويسة، بس مش كويسة. أنا إن بيتوين.

لازم أعترف بإن في الوقت اللي بأفتكر فيه إن الأمور تحت سيطرتي تمامًا، الأيام بتثبتلي عكس ده. وإني مينفعش أتطمن وأريَّح وأسيب الأمور تمشي كويسة لوحدها.


*أنا مُمتنة ولازم أسجِّل إمتناني، من غير تفاصيل.*

...

الحقيقة: الكلام ده كان مكتوب على 3 تدوينات مُختلفة، في أسابيع مُختلفة، وطلع مش مختلف كتير عن بعضه.

---

تذييل:
لكنك يجب أن تُظهر إمتنانك، وإن كانت كلمات الشُكر قد تجاوزنا مراحلها بكثير، فُان الإمتنان واجب، والتقدير يجب أن يتم ذِكره بأي حال، حتى وإن كان بنفيه.

الأربعاء، 5 نوفمبر 2014

ليل خارجي



I usually don't talk to strangers، بس في نُص ساعة واحدة فيه اتنين قرروا يتكلموا معايا بكل حميمية كأننا أصحاب من عشر سنين.

الأولى كانت بنت ملامحها هادية جدًا، مقدرتش أخمِّن سنها بالظبط، بس كانت راكبة مع بنت تانية تعرفها وقاعدين كل واحدة في حتة، ولسبب ما مش عارفاه سابولي مكان أقعد أنا في النُص، عرفت إنهم مع بعض لأنهم كانوا هم الإتنين بيشربوا ميرندا برتقان ودي مش مُمكن تكون صُدفة كونية أبدًا، كان باين من طريقة لبسها كمان إنها بسيطة ومش مُعقدة في أي حتة من حياتها، الحقيقة بعد ما اتكلمت معايا اكتشفت إن العالم هو اللي مُعقد أوي عليها. كان الحوار كالتالى:
- دي بتجيبها منين بقى؟
= نعم؟
- بتقري ايه .. ده على النت؟
= آه .. لأ .. دي رواية.
- إزاي؟
= بتنزليها وبتقريها على الموبايل.
- هه؟
= دي رواية، بيصوروها وينزلوها على النت وممكن تنزليها وتقريها كده.
- مين اللي بيصوروها؟
= إممم .. مش عارفة
- طيب ولو عايزة أدخل على النت أعمل إيه؟
= بُصي، الموبايل فيه chrome ده ممكن تدخلي منه على النت، بس محتاجة تعملي باقة مثلًا، تكلمي خدمة العُملا وتسأليهم على العروض وتشتركي إزاي وهكذا، ثواني .. رقمهم 333 ..
- وممكن أعمل بيه إيه بقى؟
= أي حاجة إنتي عايزاها، بس ممكن تحتاجي تنزلي applications مُعينة، Facebook, twitter، ألعاب .. أو حتى كُتب. بس هتحتاجي wifi.
- إزاي؟
= مُمكن تكلمي TEData، أو LinkDSL أو تجيبي وصلة من حد قُريب من البيت، الموبايل هتستخدميه غالبًا بره البيت، مش هيفيدك لو معندكش نت في البيت.
- معلش أزعجتك ..
= لأ أبدًا
- هو الواحد بيعرف فالحاجات دي من الكلام مع الناس برضه ..
= أكيد
- طب لو ممكن رقم موبايل علشان أعرف لو محتاجة معلومة.
= إنتي مش محتاجة أكتر من رقم خدمة العُملا، ممكن تكلميهم تسأليهم عن أي حاجة.

بعد ما مشيت، كنت عارفة إن هبة، لو بنت هادية وملامحها مُريحة أول مرة تشوفها طلبت رقم موبايلها في ميكروباص، هتديهالها بكُل ترحاب، وممكن تبعتلها مسجات في الأعياد كمان. بس علشان الصح بيقول إنك مينفعش تدي رقمك لحد غريب متعرفيهوش، هبة معملتش كده. يعني اختارت الصح على اللي هي هتحب تعمله.
تنازلت عن كونها هبة في مُقابل الـ" مفروض".

التانية، على آخر الشارع -القُصيَّر أصلًا- وقفت قُدَّام بتاع الكتب كالعادة، بأشوف الكتب الجديدة اللي زادت عن امبارح، فتتكلم بنت معرفهش تمامًا معايا بكل أريحية وعشم وتسألني:
- بتحبي تقرأي حاجة مُعينة؟
= لأ .. يعني .. مش عارفة.
- أنا بأحب أقرا جدًا، إنتي مبتحبيش نوع مُعيَّن من الروايات؟
= لأ الحقيقة، يعني أي حاجة معنديش مُشكلة.
- طب أرشحلك الجزار و -تشير إلى الروايات اللي جنبها "مخطوطة بن اسحاق"- ودول، بجد تحفة.
= آه ..
-أنا قرأت دول -تُعيد نفس الإشارة على الروايات السابق ذكرها- والممسوس، حلوين أوي ..
= أنا أصـ..
- دي بتحكي عن راجل قتل مراته و .. - ذكرت تفاصيل كتير جدًا أنا الحقيقة مكنتش مُهتمة بيها طلاقًا، علشان كده محفظتش منها غير معلومة إنها كانت بتحكيلي قصة الرواية، وثبتت ملامح وشي على إبتسامة وهز راس وخلاص-.
= طيب بما إنك بتحبي الرُعب وكده، أرشحلك بشدة يعني صانع الظلام، لأنها تحفة، هتعجبك أنا واثقة، وهتيجي بنفسك تجيبي الجزء التاني بتاعها.
- مش عارفة، رواية الجزار بقى بتحكي عن .. - أوبس، مزيد من التفاصيل الغير مُهمة اللي هتستعدي نفس التعبير السابق-.
= اكتبي اسم رواية "صانع الظلام عندك علشان تضيفيها لليست بتاعتك.
وآه، لازم تقرأي لد. احمد خالد توفيق، لازم.

الحوار مستمرش أكتر من كده كتير، لكن في النُص كانت بتتكلم بنفس الوِد ويمكن أكتر مع بتاع الكُتب، اللي تقريبًا حفظ شكلي لأني كل يوم بآجي أتنح قُدَّام الكتب بتاعته. كان بيقول إنها شاطرة وبتخلَّص الكتب بُسرعة، وهي كانت بتحاول تقوله إنها شاطرة أيوة بس مشغولة، وكانت محتارة تختار بين رواية تانية لمحمد عصمت مش فاكرة اسمها، ورواية نصف ميت لحسن الجندي علشان تبقى قرأت أعماله كلها تقريبًا. وأنا كنت مشغولة بعد الكُتب اللي لو ورثت هأشتريهم. هي قاطعتني عند الرقم 15 ومعرفتش أكمِّل عد لأني كنت نسيت أنا حسبت إيه ومحسبتش إيه. بس أنا كنت واخدة قرار إني مش هأشتري حاجة تاني .. على الأقل الأسبوع ده.
في وسط ما احنا بنتناقش في الأعمال الأدبية العظيمة دي، كان فيه ست صُغيَّرة بتسأل "فيه كُتب هنا؟" .. البنت الودودة بزيادة قالتلها إن "فيه روايات.." .. أنا حاولت أفيدها " فيه كتابين هنا، ومذكرات كذا .. " .. الحقيقة الست الصُغيَّرة منتبهتش لكلامي إطلاقًا ومشيت بكُل أسى وهي بتقول " كله روايات طبعًا، أنا كنت عايزة حاجة عن اليهودية .." معرفتش أسمع باقي الجملة لأنها كانت مشيت بالفعل.

المُهم إن أنا عرفت إن فيه أيام بأنسى طاقية الإخفا بتاعتي في البيت، وبالتالي الناس الغُربا بيبدأوا يشوفوني ويتعاملو معايا، وبالصُدفة البحتة الايام دي هي اللي بأكون فيها مُهتمة -لحد ما- بشكلي أكتر من الأيام التانية.
الدرس المُستفاد هنا: إن العالم مش مُستعد يتعامل معاك إلا لو كان شكلك حلو، في الواقع هو هيتجاهلك تمامًا إلا لو شكلك إبن ناس.
عالم بتاعت مظاهر صحيح.
مع إن ريم كان عندها حق جدًا وهي بتقول إن "العالم مش محتاج إني أقعد أستعد ساعة كل يوم علشان أواجهه." لكن برضه، في المُقابل، العالم معندوش وقت يتعامل معاك، إلا لو كنت إنت على مستوى يستحق المُعاملة.

المُهم أكتر، إن إيديا بدأت تلمس حيطان في عتمة التوهة، ورجليا بدأت تعرف خطواتها أكتر من الأول.
هبة الله، طِب بشري، بأكتب، وبأحب المزيكا والحواديت والشخبطة والأكل والوّنس، مصطفى علِّمني إن القراية مش هواية، وأنا عارفة من زمان إن الكتابة مش أكتر من طريقتي الخاصة في الكلام والتواصل الإنساني. باالتاي أنا مليش هوايات بالمعنى الحرفي، بس بأعرف أضيَّع وقتي كويِّس.
عارفة إني بألاقي نفسي وسط عمل الحاجات المُهمة اللي ليها فايدة، واللي بتتقاس بمقياس خاص مُختلف عن مقاييس العالم.

عارفة إني فعلًا بدأت أحب الطِب والتطييب، مش بسبب دكتور هاوس بس، إنما علشان بدأت أبعد شوية وأشوف الصورة من بعيد.

بأتبسط جدًا وبأرضى عن العالم لما أقابل دكاترة مُحترمين في الكُلية يمسحوا آثار كُرهها بأستيكة، زي د.أحمد عبد الرحمن، اللي علشان تعبان صحيًا وأخرنا أربع تيام واحنا لسه في شهر نوفمبر ونبعد عن الإمتحانات ييجي ست شهور، اعتذر إنه يكمل معانا السنة علشان بس ميأخرناش أكتر من كده وميشلش ذنبنا. علشان هو إنسان بكل ما تحمله الكلمة من معنى، إكراهًا من الكلية اللي منعته ينزل دعم للطُلاب في محاضرات، قرر إنه يدي كورسات بشرط إنه ميجبرش طالب يدفع الفيز وهو مش قادر/ مش عايز يدفعها. وبيطلب من طلبة إنها تصوَّر وتسجِّل محاضراته علشان اللي مبيحضرش يستفيد، وبيكتب رسالة إعتذار طويلة -في عز مرضه- يقول للطلبة فيها إنه آسف وإنه بيتوجع إنه مش قادر يكمِّل معانا.
دكتور أحمد عبد الرحمن آسف إنه تعبان. آسف إنه أخرَّنا أقل من أسبوع.
دكتور أحمد عبد الرحمن هو أحسن طبيب شُفته في حياتي، طبيب من الطِب، ومن الطِيبة.

...

على العموم، اكتر حاجة الدنيا بتصمم تقولهالي كل شوية في وشي: "مينفعش تاخدي كل حاجة."
لكني بأضطر أبقى مُمتنة للحاجات اللي أخدتها بالفعل.

الأربعاء، 29 أكتوبر 2014

الرقص فوق سحابة الحلم



يا حلوة ياللي قاعدة هناك

وملكيش حد تشكيله
وبتعدِّي ساعات وأيام
وراضية بكل تدبيره
ساعات الدنيا تكسرنا
لأجل ما نعرف نتداوى
وساعات بنتوه مخصوص
لأجل ما نعرف نتَّاوى
لكن الأكيد على طول
والصح والمعقول
إن اللي قدّر رايد
إنك تجيله

...


المفروض تتعوِّد على منظر إنهيار الناس، لأنك في مستشفى، والجو العام هو المرض .. والموت.
بس كل فترة بتسمع صرخة مبتعرفش تطلَّعها من ودانك بسهولة، وشابكة فيها أسئلة من نوعية: إيه اللي جرا لكل ده؟
وبعدين تفكر إن الشخص ده هيجيله وقت وينسى دبِّة السكينة في قلبه، وهيضحك، لحد ما مكان الضربة يوجعه.
وهيفتكر إنه وقت ما كان بينهار كان فيه دراعين محاوطينه، دراع منهم بيحوش الحُزن عنه، والتاني بيحوشه من الجنون ..
تفكر: لو إن الدراعين دول مكانوش موجودين في اللحظة دي بالذات، كان هيبقى مصير الصرخة دي إيه، إلا كده؟

...

هي بتحلم إنها تقعد على سحابة وتدلدل رجليها، على قد ما أنا نفسي أحقق لها أحلامها على قد ما واقعيتي متسمحليش أعيش معاها في حلمها .. السحاب مبيتقعدش عليه يا ريم، بس مُمكن لما تطلعي تقعدي فوقيه، أستناكي تحت وأعملك باي باي.

...

التغيير بيحصل فعلًا، إحنا بس اللي محتاجين نبعد بالقدر الكافي علشان نشوفه. محتاجين نبعد بالقدر الكافي اللي يغلب طول النظر الفطري اللي مخلوقين بيه ده ومبيخليناش نشوف الحاجة كويِّس من قُريِّب. زي ماما لما بأورِّيها أي حاجة وتمسك إيدي وتبعدها، وكل مرة بأنسى وبرضه بأحطلها الحاجة قُدام عينيها، وأنا عايزاها تشوفها، ومبتعرفش تشوفها إلا من بعيد.

طول النظر ده أوبشن نازل في القالب بتاعنا كلنا، مبنقدَّرش قيمة أي حاجة في الدُنيا إلا من بعيد.

يا ترى يا رب، علشان كده مبنشوفكش بعنينا المريضة، والمفروض نشوفك بقلوبنا؟
يعني إحنا قلوبنا معندهاش طول نظر؟
دي بداية كويسة جدًا.

...

فُلان،
مانيش عارفة ده جوابي الكام، "معنتش بأحسب الصفحات، معنتش بأحسب الإقلام، معنتش بأحسب اللي ضاع من الأوهام."
أما بعد/


صحيح الغُربة بتعِل السليم بالحنين، وصحيح إن البِعاد صبَّار مُر على قلوب المتغرَّبين، بس مش قد المرارة اللي في قلوب الساكنين وسط العمار وقلوبهم دبلانة مش لاقية حد يسقيها.
صحيح إن الكلام آخر ما يقدر يكونه كلام، وإن الحواديت السحرية مش موجودة غير بين جلدتين في رف المكتبة، بس الحبل الواصل بس ما بيننا هو الجوابات، والحواديت السحرية اللي فيها البنوتة اللي بتصحى من النوم الصُبح فـ الشمس تطلع، والعصافير تغنيلها هي لوحدها، هي اللي مخلياها تصحى كل يوم علشان مصدقة إنها فارقة مع العالم.
صحيح إن المسافة هتطول، لكنها لازمً هتقصر بفعل قوانين الطبيعة اللي كوَّرت الأرض في لفة واحدة.
صحيح إن الزمن بيفوت، لكنه لازمً هيقدر يخفف قهر/ يداوي حسرة/ ينسِّيك صورتك لما اتكسرت مع المراية.
معادش عندي إشتياق ولا قُدرة ع الإفتقاد، معادش عندي دمعة تنزل وقت ما شُفتها بتنهار، معادش عندي حنين كنت ما بعرفه لـ مين.


...


قادر يا رب على كل شيء.

الأربعاء، 22 أكتوبر 2014

الخوف من التوهة


احنا بنكتب علشان نعيش، ولا بنعيش علشان نكتب؟
...
عزيزي الغريب جدًا/أنت متعرفنيش إطلاقًا، يعني إحنا الإتنين سواء في الموضوع ده -كوننا إحنا الإتنين منعرفش حاجة عني- .. فبالتالي أنا لا هأعرف أعرَّفك على نفسي .. ولا أنت محتاج تعرف عني حاجة أصلًا.

الطبيعي إن الحاجات اللي بتحصل تستدعيني أكتب عنها، لكن الواقع إن أنا اللي بأستدعي أحداث بالكتابة، يمكن تكون محصلتش أصلًا.
مش عارفة ليه مثلًا سيبت العزيمة والإرادة على باب الأسبوع قبل ما أدخله، أو ليه مبقدرش أكمِّل يوم واحد كويسة من غير ما أكون متضايقة لخمسة وستين سبب ملهومش أي أهمية .. بس لأ .. إزاي .. لازم أتضايق طبعًا وأركز على الحاجات الحلوة المنمنمة اللي بتحصل في حياة كل الناس إلايا.
مثلًا تاني؛ أنا ليه معنديش قطة؟ بغض النظر عن إن مفيش حد ياخد باله منها، او إني أصلًا مبحبش القُطط، بس أنا ليه معنديش حاجة حلوة صُغيرة باعثة للبهجة والدفء وتنونو كل ما تشوفني؟
زائد بقى الكلام المتكرر في مية وواحد تدوينة فاتوا عن الوجع واللامبالاة والخوف والقلق .. إلخ.
مثلًا كمان مرة؛ إني مبعرفش أكتب، وإني مبعرفش أعتمد على نفسي في أي حاجة ومحتاجة دايمًا لـ حد ياخد باله مني، وإني بأخاف أعرَّف أي حد أنا مين، وإني مُعقدة ومحتاجة سايكاتريست من أربع سنين ومتجاهلة الموضوع تمامًا.
أنا الأول كنت بأكتبلي، دلوقتي بقيت بأكتب للناس .. وكأن آخر حد كان مُهتم بيا وبيكلمني -اللي هو أنا الحد ده- سابني وراح للناس التانيين برضه.
كل الحاجات اللي  حبيتها مبقيتش بتعنيلي شيء إطلاقًا، حتى أكتر حاجات حبيتها واتعرفت بحبها. كل اللي شايفاه دلوقتي هو حد بأحاول أتعرَّف عليه من أول وجديد -ده اللي هو أنا-، وبأخوض معاه كل التجارب الأولية في كل حاجة، من أول بنحب ناكل إيه ولـ حد إحنا جايين هنا نعمل إيه.
حاسة بالظبط زي ما أكون اتولدت جديد وورثت كل حاجة كانت عندي قبل ما أموت، والمفروض أشيل الإرث ده بكل تعقيداته وغلطاته وكوارثه وأتعامل معاها، حتى الحاجات اللي بيحبها والحاجات اللي بيكرهها، مضطرة آخدها كلها كـ package كده وأتعامل معاها كأمر واقع... بس لأ .. أنا مش دي.
أنا حتى مش عارفة هل طبيعي في المرحلة دي أكون تايهة كده ولا لأ، من غير ولا نقطة بداية أبدأ من عندها علشان أكمَّل، فعلًا مستنية يوم هأصحى فيه فاهمة كل حاجة وقادرة أواجه العالم، بس ده مبيحصلش ولا هيحصل طول ما أنا بأنام بأفكار امبارح وأصحى بيها النهارده.
خايفة أكون شخصية سلبية بتخترع مشاكل وهمية علشان متبقاش كويسة.
خايفة تكون هي دي الـ comfort zone بتاعتي، إني أحس إني دايمًا فيه أزمة في حياتي، وإن الدنيا مش تمام وإني كان ممكن أكون أحسن من كده بس I'm not doing my best.. إني أعلَّق كل الحاجات اللي مش ماشية زي ما أنا عايزة بإن القدر بيعاندني وإن قصتي كلها معاكسات والطبيعي إنها متمشيش كويسة أكتر من chapter واحد.

صعب إن الحياة تستمر من غير حد يكون جدير بإنه يكون وتد يثبتك في الأرض ومش كل شوية هوا يطيروك في حتة لحد ما تتوه ومتبقاش عارفلك أرض، مش سهل إنك تصطنع شغف بحاجات متعنيكش في شيء إلا إنها في نظرك أشياء جميلة تستدعي الشغف.
صعب برضه إن الحياة تتطلب منك أحاسيس مُعينة إنت مش قادر تحسها، زي مثلًا كونك مش قادر تتعاطف في موقف محتاج تعاطُف، أو حتى تضحك في موقف محتاج ضحك.
صعب برضه إنك تكون مبتعنيش حاجة لـ حد، تحديدًا حاجة كبيرة لـ حد بيعنيلك حاجة كبيرة.
صعب إنك تبقى مُطالب إنك تصلَّح كل حاجة بوظتها على مدار عُمرك، وتعالج تشوهات نفسية طلعت بيها من مُجتمع غير سوي وبيت عبارة عن مصح نفسي من غير دكاترة، وتقف في مواجهة العاصفة لوحدك، من غير ما تلاقي حتى كلمتين مواساة لما ضهرك يتكسر.
لأن إعادة البُنى أصعب من البُنى من أول وجديد.
*"مرض (النيوراستينا) أو الإعياء النفسي والإحساس بالتعب والإرهاق الجسدي والنفسي. يشكوا المريض التعب لأقل جهد أو أقل تركيز وعادة مايؤول ذلك إلي فقر الدم أو كسل في الكبد أو نقص المناعة..إلخ. ولكنه مرض نفسي يتميز بهذه الأعراض يتصور من يعانون من أوهام المرض أن الأمراض تساعدهم كميكانيزم أو كأسلوب هروبي لتخفيف حدة القلق المتولد عن إحباطاتهم الشخصية، وعندما تتحسن أو تتعدل تنتظم حياة هؤلاء وتُحل مشاكلهم الخاصة."

كلهم بيمشوا في الآخر، من غير ما أبقى متأكدة هم زهقوا ولا أنا اللي طردتهم .. بس أنا مكانش قصدي إن أخلي أقرب مسافة بيني وبين حد عشرة كيلومتر، ولا أقصد دلوقتي إني ندمانة لأني عارفة إني مرتاحة -نسبيًا- كده.


تصدق إني فعلًا عمري ما كنت مبسوطة..

لا الألم اللازم للتغيير موجود، ولا الدافع اللي يشد للناحية التانية موجود، هنتغيَّر إزاي بس؟


...
عزيزي الغريب، أنا غريبة أيضًا .. غريبة من الغرابة وغريبة من الغُربة، ومحتاجة دليل.

"
وبأقولك إيه، تجيش نعيش؟"