كانت نار العصبية زايدة حبة عن المعتاد لأني فشلت إني أفتكر حاجة مُهمة، إحساسي بإني مليش حيلة وكل اللي بأعمله واللي بأشوفه وبأمر بيه بأنساه .. كان المطر نازل على إستحياء، بعد كده شَّد .. وأنا مش قادرة أقف أشِم ريحة الهوا وأشوف الناس وهي بتجري مغطيَّة راسها بالكُتب والشُنط، علشان لازم أدخل المُحاضرة في الدَفا.. لو اتسألت بعد كده عن الأوقات اللي الدَفا فيها مبيكونش حنيِّن، بالعكس بيكون أبرد ما يكون .. هأقول كان الوقت ده، لو افتكرت.
يمكن تكون حالة مَرَضية زي فقدان الإحساس بالألم CIPA مثلًا، حالات نادرة اتولدوا معندهمش القدرة على إنهم يحسوا بالوجع -مش عارفة ده يتضمن الوجع النفسي ولا لأ-، مُمكن تفتكرها نعمة وهي في الحقيقة عذاب، فكرة إنك متحسش بالخطر اللي على جسمك، متسمعش جرس الإنذار اللي بيقولك فيه حريقة هنا، إجري، إطلب المطافي.
...
"There's no time limit, stop whenever you want. You can change or stay the same, there are no rules to this thing. We can make the best or the worst of it. I hope you make the best of it. And I hope you see things that startle you. I hope you feel things you never felt before. I hope you meet people with a different point of view. I hope you live a life you're proud of. If you find that you're not, I hope you have the strength to start all over again".
...
لما حسبت الوقت اللي فاضل فجأة اكتشفت إن الأيام جريت، وبرغم إني إكتشفت ده حوالي عشرين مرة قبل كده، إلا إن كل مرة بتكون كأنها أول مرة أعرف إن الدنيا بتخلص، المرة دي حسيت إن "الدنيا دي بتخُم على فكرة".. الأيام بتخلص ورا بعض من غير أي فُرصة إنك تقف تفكر في النُص .. وكل ده بيتحسب من عُمرك. والسنين بتتسرسب من بين إيدينا علشان نلاقينا نطينا من العشرينات للأربعينات إذ فجأةً كده. هييجي يوم من وراك وتلاقي نفسك بقيت أكبر من إنك تقدر تعمل الحاجات اللي أجلتها طول السنين اللي فاتت. ولما ييجي مش هيكون واضح بالطريقة اللي أنت هتبقى مستنيه بيها.
بقيت بأفكَّر نفسي من وقت للتاني بإن اللي بأعمله دلوقتي هو حياتي، اللي بيحصل حالًا هو أحداث الفيلم بتاعي مش مُجرد إعلانات قبليه، مفيش حد هنا هيقول أكشن وتبدأ حياتك اللي مستني تبدأ تعيشها، الكلمة دي اتقالت من زمان، من وقت ما أخدت أول نفس ليك ع الأرض، ومفاضلش كتير قبل آخر نفس.
بيتهيألي كمان لو اتعلمت إزاي أبُص ع الحاجات الكويسة (بس) وأعمل عبيطة عند الحاجات اللي مش كويسة، هأبقى كويسة.
يعني لو كل المخاوف والعفاريت اللي عايشة جوايا طلعت على أرض الواقع أكيد هيبقى فيه جانب إيجابي في الموضوع.
ب
س من بينهم كلهم نفسي أعرف العفريت بتاع كل ما حد يقرَّب مننا نجري نستخبى في أبعد حتة ده. إيه اللي يخوِّف في العلاقات الإنسانية يعني غير إنها مُحبِطة ومتطلبة وخنيقة؟ أيوة يعني إيه المُفزِع في إنها كومِتمِنت سخيف ومتكلِّفة وبتاخد من روحك حتة كل شوية؟
وطبعًا طول ما أنا بأكلِّمني كده عُمري ما هأعرف أبقى بني آدمة طبيعية لزجة بتكلم الناس على إنهم لُطاف في حين إنهم كلهم مُمثلين وكدّابين ومبيعرفوش يمثلوا كويِّس كمان.
ده ميمنعش إني حقيقي نفسي أبقى واحدة عادية بتتعامل بسطحية مع الناس من غير ما تفكَّر في نهاية العلاقات المأساوية والضرر -اللي مبيتنسيش زيه زي كل الحاجات- اللي بتسببه. نفسي أمتلك الجرأة اللي تخليني أحكي عن تفاصيل حياتي التافهة وأعدِّد إنجازاتي الوهمية لأي غريب أقابله في عيادة دكتور أو حد سألته على الطريق في الشارع. نفسي أكون بسيطة كفاية لإني اتكلم من غير وقفات وأرد من غير تفكير وأرغي من غير حسابات لتأثير كلامي على كل فرد موجود في المحيط اللي يسمحله يسمعني ومراجعة حياته في الفترة الأخيرة، ومراجعة إحتمالات تأويل الكلام اللي هأقوله ولأي درجة ممكن يتفهم غلط. أكون بسيطة كفاية لإني أتكلم من قلبي مش من دماغي.
نفسي أبقى رحيمة شوية بنفسي وأشوفها تستحق تتكلم مهما كان اللي عندها مش هيدي أي إضافة للموضوع، تتكلم علشان تعبَّر عن نفسها قبل ما تنساها مع باقي الحاجات.
...
صحيح الشتا مليان بهجات صُغيَّرة كده زي مج الهوت تشوكليت والبطانية وحرارة اللابتوب والدفايَّة والبرتقان وريحة المطر، بس مليان بَرد.
لكني بأحتاجلك ساعات، لما الشتـا يدق البيبان.
---
*الصورة والـ quote من فيلم The curious case of Benjamin Button