الأربعاء، 5 نوفمبر 2014

ليل خارجي



I usually don't talk to strangers، بس في نُص ساعة واحدة فيه اتنين قرروا يتكلموا معايا بكل حميمية كأننا أصحاب من عشر سنين.

الأولى كانت بنت ملامحها هادية جدًا، مقدرتش أخمِّن سنها بالظبط، بس كانت راكبة مع بنت تانية تعرفها وقاعدين كل واحدة في حتة، ولسبب ما مش عارفاه سابولي مكان أقعد أنا في النُص، عرفت إنهم مع بعض لأنهم كانوا هم الإتنين بيشربوا ميرندا برتقان ودي مش مُمكن تكون صُدفة كونية أبدًا، كان باين من طريقة لبسها كمان إنها بسيطة ومش مُعقدة في أي حتة من حياتها، الحقيقة بعد ما اتكلمت معايا اكتشفت إن العالم هو اللي مُعقد أوي عليها. كان الحوار كالتالى:
- دي بتجيبها منين بقى؟
= نعم؟
- بتقري ايه .. ده على النت؟
= آه .. لأ .. دي رواية.
- إزاي؟
= بتنزليها وبتقريها على الموبايل.
- هه؟
= دي رواية، بيصوروها وينزلوها على النت وممكن تنزليها وتقريها كده.
- مين اللي بيصوروها؟
= إممم .. مش عارفة
- طيب ولو عايزة أدخل على النت أعمل إيه؟
= بُصي، الموبايل فيه chrome ده ممكن تدخلي منه على النت، بس محتاجة تعملي باقة مثلًا، تكلمي خدمة العُملا وتسأليهم على العروض وتشتركي إزاي وهكذا، ثواني .. رقمهم 333 ..
- وممكن أعمل بيه إيه بقى؟
= أي حاجة إنتي عايزاها، بس ممكن تحتاجي تنزلي applications مُعينة، Facebook, twitter، ألعاب .. أو حتى كُتب. بس هتحتاجي wifi.
- إزاي؟
= مُمكن تكلمي TEData، أو LinkDSL أو تجيبي وصلة من حد قُريب من البيت، الموبايل هتستخدميه غالبًا بره البيت، مش هيفيدك لو معندكش نت في البيت.
- معلش أزعجتك ..
= لأ أبدًا
- هو الواحد بيعرف فالحاجات دي من الكلام مع الناس برضه ..
= أكيد
- طب لو ممكن رقم موبايل علشان أعرف لو محتاجة معلومة.
= إنتي مش محتاجة أكتر من رقم خدمة العُملا، ممكن تكلميهم تسأليهم عن أي حاجة.

بعد ما مشيت، كنت عارفة إن هبة، لو بنت هادية وملامحها مُريحة أول مرة تشوفها طلبت رقم موبايلها في ميكروباص، هتديهالها بكُل ترحاب، وممكن تبعتلها مسجات في الأعياد كمان. بس علشان الصح بيقول إنك مينفعش تدي رقمك لحد غريب متعرفيهوش، هبة معملتش كده. يعني اختارت الصح على اللي هي هتحب تعمله.
تنازلت عن كونها هبة في مُقابل الـ" مفروض".

التانية، على آخر الشارع -القُصيَّر أصلًا- وقفت قُدَّام بتاع الكتب كالعادة، بأشوف الكتب الجديدة اللي زادت عن امبارح، فتتكلم بنت معرفهش تمامًا معايا بكل أريحية وعشم وتسألني:
- بتحبي تقرأي حاجة مُعينة؟
= لأ .. يعني .. مش عارفة.
- أنا بأحب أقرا جدًا، إنتي مبتحبيش نوع مُعيَّن من الروايات؟
= لأ الحقيقة، يعني أي حاجة معنديش مُشكلة.
- طب أرشحلك الجزار و -تشير إلى الروايات اللي جنبها "مخطوطة بن اسحاق"- ودول، بجد تحفة.
= آه ..
-أنا قرأت دول -تُعيد نفس الإشارة على الروايات السابق ذكرها- والممسوس، حلوين أوي ..
= أنا أصـ..
- دي بتحكي عن راجل قتل مراته و .. - ذكرت تفاصيل كتير جدًا أنا الحقيقة مكنتش مُهتمة بيها طلاقًا، علشان كده محفظتش منها غير معلومة إنها كانت بتحكيلي قصة الرواية، وثبتت ملامح وشي على إبتسامة وهز راس وخلاص-.
= طيب بما إنك بتحبي الرُعب وكده، أرشحلك بشدة يعني صانع الظلام، لأنها تحفة، هتعجبك أنا واثقة، وهتيجي بنفسك تجيبي الجزء التاني بتاعها.
- مش عارفة، رواية الجزار بقى بتحكي عن .. - أوبس، مزيد من التفاصيل الغير مُهمة اللي هتستعدي نفس التعبير السابق-.
= اكتبي اسم رواية "صانع الظلام عندك علشان تضيفيها لليست بتاعتك.
وآه، لازم تقرأي لد. احمد خالد توفيق، لازم.

الحوار مستمرش أكتر من كده كتير، لكن في النُص كانت بتتكلم بنفس الوِد ويمكن أكتر مع بتاع الكُتب، اللي تقريبًا حفظ شكلي لأني كل يوم بآجي أتنح قُدَّام الكتب بتاعته. كان بيقول إنها شاطرة وبتخلَّص الكتب بُسرعة، وهي كانت بتحاول تقوله إنها شاطرة أيوة بس مشغولة، وكانت محتارة تختار بين رواية تانية لمحمد عصمت مش فاكرة اسمها، ورواية نصف ميت لحسن الجندي علشان تبقى قرأت أعماله كلها تقريبًا. وأنا كنت مشغولة بعد الكُتب اللي لو ورثت هأشتريهم. هي قاطعتني عند الرقم 15 ومعرفتش أكمِّل عد لأني كنت نسيت أنا حسبت إيه ومحسبتش إيه. بس أنا كنت واخدة قرار إني مش هأشتري حاجة تاني .. على الأقل الأسبوع ده.
في وسط ما احنا بنتناقش في الأعمال الأدبية العظيمة دي، كان فيه ست صُغيَّرة بتسأل "فيه كُتب هنا؟" .. البنت الودودة بزيادة قالتلها إن "فيه روايات.." .. أنا حاولت أفيدها " فيه كتابين هنا، ومذكرات كذا .. " .. الحقيقة الست الصُغيَّرة منتبهتش لكلامي إطلاقًا ومشيت بكُل أسى وهي بتقول " كله روايات طبعًا، أنا كنت عايزة حاجة عن اليهودية .." معرفتش أسمع باقي الجملة لأنها كانت مشيت بالفعل.

المُهم إن أنا عرفت إن فيه أيام بأنسى طاقية الإخفا بتاعتي في البيت، وبالتالي الناس الغُربا بيبدأوا يشوفوني ويتعاملو معايا، وبالصُدفة البحتة الايام دي هي اللي بأكون فيها مُهتمة -لحد ما- بشكلي أكتر من الأيام التانية.
الدرس المُستفاد هنا: إن العالم مش مُستعد يتعامل معاك إلا لو كان شكلك حلو، في الواقع هو هيتجاهلك تمامًا إلا لو شكلك إبن ناس.
عالم بتاعت مظاهر صحيح.
مع إن ريم كان عندها حق جدًا وهي بتقول إن "العالم مش محتاج إني أقعد أستعد ساعة كل يوم علشان أواجهه." لكن برضه، في المُقابل، العالم معندوش وقت يتعامل معاك، إلا لو كنت إنت على مستوى يستحق المُعاملة.

المُهم أكتر، إن إيديا بدأت تلمس حيطان في عتمة التوهة، ورجليا بدأت تعرف خطواتها أكتر من الأول.
هبة الله، طِب بشري، بأكتب، وبأحب المزيكا والحواديت والشخبطة والأكل والوّنس، مصطفى علِّمني إن القراية مش هواية، وأنا عارفة من زمان إن الكتابة مش أكتر من طريقتي الخاصة في الكلام والتواصل الإنساني. باالتاي أنا مليش هوايات بالمعنى الحرفي، بس بأعرف أضيَّع وقتي كويِّس.
عارفة إني بألاقي نفسي وسط عمل الحاجات المُهمة اللي ليها فايدة، واللي بتتقاس بمقياس خاص مُختلف عن مقاييس العالم.

عارفة إني فعلًا بدأت أحب الطِب والتطييب، مش بسبب دكتور هاوس بس، إنما علشان بدأت أبعد شوية وأشوف الصورة من بعيد.

بأتبسط جدًا وبأرضى عن العالم لما أقابل دكاترة مُحترمين في الكُلية يمسحوا آثار كُرهها بأستيكة، زي د.أحمد عبد الرحمن، اللي علشان تعبان صحيًا وأخرنا أربع تيام واحنا لسه في شهر نوفمبر ونبعد عن الإمتحانات ييجي ست شهور، اعتذر إنه يكمل معانا السنة علشان بس ميأخرناش أكتر من كده وميشلش ذنبنا. علشان هو إنسان بكل ما تحمله الكلمة من معنى، إكراهًا من الكلية اللي منعته ينزل دعم للطُلاب في محاضرات، قرر إنه يدي كورسات بشرط إنه ميجبرش طالب يدفع الفيز وهو مش قادر/ مش عايز يدفعها. وبيطلب من طلبة إنها تصوَّر وتسجِّل محاضراته علشان اللي مبيحضرش يستفيد، وبيكتب رسالة إعتذار طويلة -في عز مرضه- يقول للطلبة فيها إنه آسف وإنه بيتوجع إنه مش قادر يكمِّل معانا.
دكتور أحمد عبد الرحمن آسف إنه تعبان. آسف إنه أخرَّنا أقل من أسبوع.
دكتور أحمد عبد الرحمن هو أحسن طبيب شُفته في حياتي، طبيب من الطِب، ومن الطِيبة.

...

على العموم، اكتر حاجة الدنيا بتصمم تقولهالي كل شوية في وشي: "مينفعش تاخدي كل حاجة."
لكني بأضطر أبقى مُمتنة للحاجات اللي أخدتها بالفعل.

هناك تعليق واحد: