السبت، 7 يونيو 2014

شو كانت بِشعة الليالي


***

السلام على اللي فاتونا مش فاهمين

السلام على اللي راحوا ومش راجعين
السلام على اللي منّا ومش عارفين
إن المحبة لأجل ما تزيد لابُد تقل


***


خلينا نتفق إن الحياة بقت روتينية لدرجة مبقتش معاها أي حاجة بتدعو حقيقي للدهشة، أو إثارة أي إنفعالات سواء كانت حزينة أو سعيدة. لما كنا بنشوف مأساة إن الحاجات الحلوة تحصل ومتفّرحناش كنا فاكرين العيب في الحزن، طلعنا أصلًا مبنزعلش. مبقيناش بنحس بوجه عام.
الإحساس المُفتقد فعلًا مش الفرحة، إنما الوَنَس.
اللي مشينا ندوّر عليه في حاجات قديمة محسيناش بقيمتها غير دلوقتي، فاكتشفنا إننا ضيعنا كل الحاجات القديمة دي ومفضلش منها أي حاجة.
جرينا نبدِّلها بحاجات جديدة زي كل الناس، بِعنا الغالي بالرخيص أوي. ورمينا ورا ضهرنا كل كراكيب الذكريات، ورمينا معاها الوَنَس من غير ما نُقصد.
باقي لنا ايه غير السَهر والشاي والمزيكا وتفاصيل مسلسلات قديمة؟

خلينا نواجه نفسنا بشوية حقايق أهمها إننا لو كنا عايزين نتغيّر فعلًا كنا اتغيرّنا، بس المانع مش الظروف زي ما بنعلق على شماعتها الأسباب، المانع إننا أصلًا مش واخدين النية بجد ومُعتبرين القول تسكين ضمير، وعلشان نسكِّن صح عملنا نفسنا زعلانين من النتيجة اللي وصلنالها.
حقيقة تانية بتقول إن الفشل بيُقاس بمعاييرك إنت، وأي حاجة تانية الناس يقولوها ممكن نضرب بيها عرض الحائط عادي. منطقيًا مينفعش تفشل في حاجة إنت مش عايز توصلها أساسًا، بالعكس إحنا ممكن نعتبره مكسب وبداية كويسة إنك تغيّر الطريق وتروح تنجح في اللي عايز تنجح فيه.
حقيقة تالتة بتترتب على التانية بتأكد إن مفيش حاجة في الدُنيا اسمها فشل أصلًا، وإن ده مُجرد مُسمَّى أطلقه واحد عنده قُصر نظر.

لو بصينا للصورة الكبيرة للحياة بتاعت "كل" الناجحين هنلاقيهم أكتر ناس فاشلة في الكون.
مش محتاجين نتكلم أكتر من كده عن معضلة الفشل والنجاح ونكرر كلام تنمية بشرية مفيش منه رجا، بس كنا محتاجين نأكد على الحقيقتين دول في المرحلة دي من حياتنا.
حقيقة رابعة بتقول إن طبيعي إننا نكره نتعب مهما كانت الغاية بنحبها. المفروض إنك تذاكر وأنت مبسوط إنك بتذاكر رغم التعب علشان تنجح، أو تسهر على ريبورت وتطبق للصُبح وأنت مبسوط علشان حاسس إنك مُميز ووَحْش وقادر تتغلب على النوم علشان تخلص شُغل، أيًا كان الإنجاز، التعب المفروض نتبسط بيه.
حقيقة خامسة وأخيرة بتقول إننا مُمكن نبعد عن الناس اللي بنحبهم علشان بنحبهم، وإن ردودنا عليهم في وقت مُعين هتكون بشعة للغاية، علشان كده بنسكت، بنتقوقع شوية، وهنرجع طبيعين. لما تلاقي الحد اللي بيتقبل الموود سوينجس بتاعتك وبيفهم سكوتك أكتر ما بيفهم كلامك، ومبيحاولش يشد الحبل بتاعك علشان ميتقطعش، متسيبوش وامسك فيه بكل ما أوتيت من باور حتى لو جيت على نفسك حبة وقلتلهم بطريقة غير مُباشرة في مكان أنت عارف إنهم هيقروا فيه كلامك.

أنا شاكرة جدًا لدور البرد اللطيف اللي كان بيخليني أنام بعُمق من أثر العلاج، وأنام طول الوقت. كنت محتاجة في وقت زي ده إني أفصل شحن شوية علشان أعرف أكمِّل. حتى لو الواقع بيقول إني مكملتش أو أصلًا مبدأتش. وحتى لو محاولتنا ساذجة وبنضحك بيها على ضميرنا علشان يسكت. حتى لو محاولتنا هبلة وغبية هتفضل أحسن من اللا محاولة. وحتى لو كنا موصلناش لطريق الطريق اللي عايزين نمشيه أصلًا، إحنا لسه مُقتنعين إننا هنوصل وده في حد ذاته كفاية أوي.

بعد كل ضربة على دماغي بآخدها من الدُنيا بأدخل في phase الحكمة اللي بأطلع منها بقوانين عظيمة فعلًا ممكن تتدِّرس. بيحصل إن شهرين بالظبط كمان وبأدخل في phase ألزهايمر وبأنسى كل اللي حصل وكأني لسه مولودة حالًا دلوقتي وبأواجه الدُنيا من أول وجديد من غير أي خبرات ولا تجارب، حتى إني بأتحط في نفس ذات الإختيارات يا مؤمن، هي هي، مفيش أي فرق وربنا، وبأحتار أختار أنهي فيهم. مع العلم بإني بأكون مريت بتجربتين أو تلاتة -مش تجارب عاطفية زي حماقي لأ- واتعرضت لنفس موقف الإختيار ومشيت في طريق منهم ووصلت لحاجة وطلعت بنتيجة، كل ده بيروح فين؟
فيه صوت بيرن في وداني دلوقتي -وده غالبًا قريني- بيقول "سُمِّي الإنسان من النسيان. طيب.

بعد كل فترة في حياتي بأكتشف إكتشاف مُوَّحد في جميع الفترات؛ ألا وهو إني كنت غبية أوي.
وتعدي فترة واتنين، واسترجع الذكريات، وأبص ورايا، أكتشف إكتشاف مُهم جدًا؛ ألا وهو إني كنت غبية أوي.
يعني بالرغم من إني معيشتش في حياتي -اللي حيا الله واحد وعشرين سنة دي- إلا كام فترة يتعدوا على الصوابع، إلا إني في كل فترة بأكتشف إني كنت غبية أوي في الفترة اللي قبلها. مش عارفة حقيقي ده سوء حظ ولا غباء من الآخرين.
ريم كانت قالت مقولة عظيمة جدًا لازم تُخلَّد: "لا يُلدغ المؤمن من جُحر مرتين، لكن مُمكن يُلدغ تلاتة أربعة عادي."
طيب أنا عارفة إن " لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم غيركم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم"، وأنا معنديش مانع أغلط وأتوب، بس التنويع حلو برضه. يعني ممكن أغلط غلطات مختلفة أتعلم مهم، بعدين أغلط تاني غلطات تانية خالص. اللي بنعمله ده تهريج. معندناش كريتيفتي كافية مثلًا إننا نبتدع غلطات جديدة؟
وإن كان لازم ولابد نعيد الغلط حتى نتعلم منه، هنتعلم امتى؟ هنتعلم امتى بقى والغلط داس علينا رايح جاي خمستاشر مرة لحد دلوقتي. وإقتباسًا لمقولة من مقال لعُمر طاهر تُنسب لمصطفى شعبان في مسلسل ما «حتى الغلط لازم يتعمل صح علشان يكيف».

إكتشاف المرحلة المُهم جدًا، بل اللي في غاية الأهمية، إننا مينفعش نثق في وجهة نظرنا عن نفسنا أكتر من ثقتنا في موتوسيكل جاي في وشنا واحنا بنعدي الشارع. الحقيقة اللي هتظهر بوضوح ووقاحة بمرور الأيام هتزرع في دماغنا أفكار من نوعية "أنا اتغيرت كده ليه"، أو "أنا مكنتش كده"، "زمان كنت كذا ودلوقتي كذا". الواقع إننا على طول بنتغير، وإذا كان مزاج سيادتنا بيتغيّر في اليوم الواحد عشرين مرة، شخصيتنا نفسها مش هتتغير إزاي؟
في علم النفس كان فيه مثال لتعريف الشخصية أنا شخصيًا وقعت في غرامه؛ كان بيشبه الشخصية بمجرى الماء، اللي كل ما هتيجي توصفه هتلاقيه اتغيّر. لو كنت قوي الملاحظة وفطين هتستنج بنفسك إن علم النفس محطش تعريف محدد للشخصية، وحضرتنا بكل قنعرة فارغة بنتحدى قواعد علم النفس وجايين نحط تعريف لشخصيتنا ثابت أبد الدهر؟



والسؤال اللي دايمًا بيطرح نفسه بقوة؛ إحنا امتى هنوصل لليوم اللي نقف فيه بكل فخر واعتزاز ونبُص ورانا ونبتسم، ونغني "شو كانت حلوة الليالي .. " من غير ما نكون بنكدب على نفسنا علشان بنحب فيروز.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق