الاثنين، 9 يونيو 2014

الهروب إلى الوجع لا منه



خلينا نقول إننا ممكن نعيط هنا بالكلام أريح ما نعيط بالدموع.
وإننا ممكن نشكي همنا وخيبتنا للي بجد هيسمعونا، ونقول لكل الناس اللي بيخذلونا وبيسيوبنا متفشفشين ويمشوا ويبعدوا عننا أوي لحد ما يبقوا جنبنا بالظبط ومش عارفين نشوفهم ومش مصدقين إنهم كانوا هنا في يوم من الأيام ونحتار ومنبقاش عارفين هو صحيح اللي حصل ولا احنا كنا بنحلم بس. خلينا نقولهم إنتوا مش عارفين إنتوا وجعتونا إزاي، يا ريته كان وجع ساعة وخلاص، إنما ده وجع بنفتكره كل ما نفتكر وجعنا الشخصي اللي مبيتعالجش وملوش مسكنات.

خلينا نتكلم عن كل الزعل اللي قلبي بيبصلي بيهم وهو مدمع ويقولي "إنتي إزاي بتعملي كده فيا" وأنا أتنح ومعرفش أرد عليه ونقعد نعيط سوا.
أو نحكي عن عيطانا على حدوتة قريناها أوي بحُرقة واحنا بنقنع نفسنا جامد إننا بنعيط على (أ) مش بنعيط على نفسنا.
خلينا نعلن إننا أخيرًا عرفنا شغفنا فين، فزعلنا أكتر علشان مش عارفين نروحله.
وإننا خلاص عرفنا ايه الحاجات اللي بتبسطنا في العالم، ومن كتر ما هي مش حقيقية اتقهرنا.
خلينا نقول إننا بنفشل كل ما نحاول نتكلم عن حاجة غير الخوف والوجع، وإن كلامنا بقى متعاد بزيادة بقى، بزيادة.
خلينا نعيط أوي بقى المرة دي علشان مش لاقيين ولد لطيف ييجي يقعد جنبنا واحنا قاعدين على الرصيف وبنعيط، حتى لو مكانتش عندنا الشجاعة اللي تخلينا نروح نقعد على الرصيف ونعيط فعلًا، بس هو شاف ده في عينيها، وهي كانت واقفة مستنياه ومجاش.
خلينا يكون عندنا الشجاعة نواجه نفسنا بأبشع الحقايق في حياتنا ونكررها كتير، ونطلع راسنا من الرملة ونبدأ نجري -من الحقايق دي- ونروح لحقايق تانية في الناحية التانية من الأرض، حقايق مستنيانا واحنا سايبنها وقاعدين هنا.
خلينا نبطل نعصر روحنا علشان تعيط، احنا أصلًا مش ناقصين.

خلينا نصدق -حتى لو مش حقيقي- إن الشيكولاتة والنسكافية بيسكِّنوا الحزن، والمشي بيطرد الأفكار المزعجة من دماغنا -علشان بنفكر في وجع رجلينا غالبًا-، وإن الأماكن اللي بنحارب علشان نعملها ذكريات جديدة تمحي الذكريات اللي بتوجعنا وكل اللي بننجح إننا نعمله هو إننا بنشوّه الذكريات كلها.
خلينا نصدق إننا مش موجوعين من دناءة العالم والقدر اللي خلانا يُتما وأهالينا عايشين، ونصدق إن أكتر بني آدم بنخاف على حياته في الكون هو الوحيد اللي لما بَص ف وشنا من واحد وعشرين سنة وأسبوع ضحك -واحنا قادرين نتخيل الضحكة بالظبط-.
خلينا نصدق إن مخاوفنا اللي بتمشي معانا في كل حتة مبتقدرش تدخل معانا المكتبة، زي ما الشياطين مبتعرفش تدخل رمضان.
خلينا نصدق إن الحاجة اللي كنا هنقولها هنا ونسيناها كان أحسن لها تتنسي.

خلينا نقول للبحر من هنا إنه واحشنا أوي وإننا مش هنعرف نروحله وإننا مش مكتوبلنا -دلوقتي- نكون مع بعض.
بس أمانة، لو شوفته متخليهوش يبطل يستنى، يا بحر، أصلًا هو هيقولك كده.

...

-" كلنا بلا استثناء بنلف في الدواير...والدنيا تلف بينا. كل الناس والنباتات والحيوانات بيلفوا في دواير...لأن الدايرة هي الأسلوب العبقري في ضمان الاستمرارية وعدم التجديد...المشكلة - أو العبقرية - أن ربنا خلق الدواير ديه أوسع من ما يمكن لعلقنا الصغير أنه يدركها...دايرة كبيرة قوي...ماينفعش تركز في تفاصيلها أو تلمها الا لو عشت في دواير كتير قوي وفضلت فاكر تفاصيلها...يمكن عشان كده ربنا خلقنا بننسى...عشان لو مانسيناش...ماحدش أصلا هايغلط."
ـــــــ محمد صادق
وأنا مش عايزة ألف في دواير "أنا ليه عملت في نفسي كده" طول عُمري.
ليه مينفعش بكل بساطة نقرر إننا هنتولد من جديد ونبدأ حياتنا من الأول؟
وهو الواحد بيسمع ايه وهو موجوع؟ = هو الواحد بياخد دوا ايه لما يكون عيان؟

خلينا نعترف إننا كان نفسنا نكون هي، بس حظنا طلع وحش أوي وبقينا احنا.

...

"-مالك؟
-تعبان.
-حاسس بإيه؟
-مش عارف."


...

مش هنعرف نعيش على الكرة الأرضية أكتر من خمس ساعات واحنا معندناش أكسجين الإرادة يا علي. خليني أتفلسف شوية كمان وأحكيلك عن القطة اللي طلعت فوق الشجرة ومعرفتش تنزل وفضلت مستنية حد ييجي ينزلها، وبتفكر نفسها كل شوية إنها هي اللي طلعت فوق بنفسها، والشجرة قعدت تكبر وتطول يا علي والمستحيل بقى بالنسبة لها مستحيل أكتر، لو فيه درجات من المستحيل، زي درجات الموت اللي مبتعترفش بيها قواعد النحو في العربي وبيستثنوها من قاعدة أفعل.
المُهم دلوقتي، هننزل إزاي؟

خلينا نكتب إننا بنقول أكتر بسُكاتنا، وإن اللي المفروض يكونوا هنا وبسمعونا هم اللي أغبيا واننا بنكره غبائهم ده.
أو خلينا نواجه نفسنا بأننا إحنا اللي أغبيا يا هناء، احنا عيشنا كتير ومعرفناش نتكعبل بالصدفة في واحد بس في البلد دي يعرف يطبطب علينا، أو يطمنا بكلمتين، بدل ما احنا قاعدين نكلم نفسنا ومش عارفين نهرب فين من بُعبُع الفشل وألزهايمر وصورتنا واحنا عواجيز قاعدين لوحدنا في دار مسنين مش عارفين عن العالم أكتر من اللي كنا عارفينه واحنا عندنا سنة واحدة.

...

مشهد "سبونج بوب" وهو بيقول "أستطيع أن أعُّد على الأقل ثلاثة أصدقاء" وبيعمل بإيديه تلت صوابع، ويسكت شوية، ويجيب قلم يرسم بيه وشوش على التلت صوابع ويقول "ها هم أصدقائي" ده مشهد في قمة البؤس اللي في العالم.
انتوا التلاتة فعلًا اصحابي، وانتوا مش موجودين كده.

"عيب كمان تقولي أي."


...
وإلى التلاتة اللي على أرض الواقع أصحابي فعلًا:

كوني طلبت منك متكلمنيش لحد نهاية العالم أو نهاية الإمتحانت أيهما أقرب، ده لأني شايفاكي سخيفة لأقصى درجة وانتي بتهزري وأنا هأنفجر ذاتيًا من الكآبة والحزن. ينفع تضحكي وانتي بتصلي طيب؟ متقوليش طريقتك كده. زي ما قدسية الصلاة ليها إحترامها، قدسية الحزن برضه ليها إحترامها.
وإن مكنتيش واخدة بالك، أنا رميت العالم كله ورا ضهري وعملت قوية، وجريت عليكي أكلمك علشان تواسيني وتهوني عليا، وعلشان نسرق ساعة من الزمن سوا وأحكيلك عن وجعي اللي حفظتيه، بس مبعرفش أحكي عن وجعي مع حد غيرك.

كوني مرديتش عليكي لما بعتيلي رسالتك الأخيرة، ديأحسن حاجة عملتها. أنا كنت كتبت بالفعل رد من أسخف الردود اللي ممكن يكتبها إنسان في الدُنيا. ومسحته ومبعتوش رفقًا بيكي.
وانتي كمان ليكي نفس الكلام.

...
هو أنا ليه مينفعش أموت دلوقتي؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق