الجمعة، 12 ديسمبر 2014

هلوسة



أفتح عيناي على عشرِ سحاباتٍ معلَّقاتٍ في سقفِ الغرفة الصغيرة التي بالتأكيد لا يتسع سقفها لعشر سحابات كاملات. أظن بأنني أحلم أو ربما خداع بصري له علاقة بالسهر طويلًا بالأمس.


...


رأيت فيما يرى النائم ساحة تتسع لتعداد سكان بلد أجمعين وقد اجتمعوا وكأنهم على ميعاد، كلُ يرتدي ذات اللون الأسود القاتم الذي لا يكاد يُطهر من أجسامهم شيئًا، وكأنما قد أعلنوا الحداد الأبدي على شيء عظيم، لا تبدو على ملامحهم أكثر من نظرة واسعة متطلعة إلى الأعلى، لم أعرف إلام ينظرون ولكنني فعلت مثلهم،  شعرت بأن المنظر غير مُعتاد، وبعد تفكير قليل تمكنت من إدراك الإختلاف، بأن لون السماء لم يكن سوى أحمر قاتم .. كنا -جميعًا- نشترك في البحث عن شيء ما .. كنا ندركه في المشهد ونبحث عنه، ونسأل عنه بعضنا البعض إن كان منا من قد رآه.

بدأ الجو يزداد برودة، وبدأت تهب علينا رياح مُحمَّلة برائحة لها مثل رائحة البارود، جعلت دموعنا تسيل شيئًا فشيئًا حتى ابتلت التربة من تحتنا فوجدناها وقد نبتت منها أشجارًا تُثمر فاكهة لها طعم ما بين المانجو والأناناس ولها لون مثل لون الشمس. ولكننا حين نظرنا إلى كفوفنا وجدنا قطرات لها لون الدم، لم تكن كل تلك المياة سوى أمطار اصطبغت بلون السماء. حاول البعض -في وسط السيول- بأن يشعل نارًا لعلنا نتدفأ بها أو نجد منها نورًا يؤنس وحدتنا، أو ربما وجدنا ضالتنا التي نبحث عنها. في البدء حاول اثنان أن يشعلوها بالثقاب وفشلوا..لم يفكروا كيف لهم بإشعالها تحت الأمطار مباشرةً. اعترض آخرون وذهبوا يحاولون توليد شرارة بأسلاك الكهرباء من سيارات كانت تنتظر في مُحيط الساحة. أما الفئة الكبرى سارت تشعل نيرانًا ولَّدوها من اللا شيء في كل شيء حولنا غير عابئين بأن يصيبوا ما يصيبوا أو من يصيبوا، كانت الغاية هي النار، ونسوا الضالة الكبرى التي اجتمعنا من أجلها. دفعهم البرد إلى الجنون فأحاطونا بألسنة اللهب التي لم تقو على إطفائها أمطار السماء الحمراء ..  وبينما الباقون بقوا لا يفعلون شيئًا، ينظرون إلى السماء تارة، وفي وجوه بعضهم تارة، يحمِّلون الإثم بعضهم البعض.

وجدتني أقف بجوار فتاة صغيرة لا يتعدى عمرها العشرة أعوام، سألتها مع من أتت ولماذا تقف هنا وحدها، أجابتني بأنها قد أتت معي، وأنها هنا لترشدنا ولكن لا أحد يستمع إليها. أخبرتني بأننا نفعل هذا كل يوم ثم نعود إلى حياتنا فلا يتذكر أيًا منا ما فعلناه. قالت بأننا سنبقى نعود لنجتمع ونبحث حتى نجد ما نبحث عنه. سألتها وما هو هذا الذي نبحث عنه، أجابتني بأننا نبحث عن اللون الأبيض في المنتصف، بين الأحمر في السماء والأسود المتمثل فينا.

ــــــــ

نُشرت مُعدَّلة في ضربة شمس - التحرير - عدد الخميس 11 ديسمبر 2014

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق