الجمعة، 26 ديسمبر 2014

متلازمة السجين

لونٌ أبيض ساطع يطغى على كل شيء، خطوط سوداء متداخلة تبدأ في الظهور، لا يبدو أنني أرى بشكل جيد. خطوط متوازية ملوَّنة ولكني لا أستطيع تحديد لونها. يبدأ وجه إنساني بالظهور في مجال رؤيتي، لا أتعرف عليه ولكنه يبدو مألوفًا. محاليل مُعلَّقة وأسلاك مُتصلة بها. نور يأتي من مصباح كبير موجه إليَّ بالضبط. أغمض عيناي وأفتحهما بعد قليل ومازلت لا أرى جيدًا، أحاول أن أجول بعينيا في المكان ولكنني لا أرى سوى ضباب يطغى على الصورة أمامي، أماكن مضيئة وأخرى مُظلمة. أنتبه لصوت يقول "مرحبًا"، أتوجه ببصري إليه، أسأل "كم مضى عليَّ .." وقبل أن أكمل أرى طبيبين يتحدثان على بُعد خمسة أمتار مني، "رض قسري على الرأس.. ومنذ الحادث عجز عن..". أسأل "لِم أعجز عن النهوض؟ وما خطب ساقي؟" .. لا أحد يلتفت إليَّ. أُكمِل "لماذا لا يجيبني أحد، ألا تسمعونني؟" يأتي طبيب ذو شعر أبيض ولحية خفيفة، ممتليء قليلًا، ويقف أمامي قائلًا "قلب رائع للزرع". رباه، إنهم لا يعلمون بوجودي أصلًا!

أسمع صوتًا آخر يأتي من على جانبي الأيمن، "إنك تخرق أغلب القوانين الأخلاقية والمهنية، إذ تنتزع قلب رجلِ مازال حيًا". ألتفت إلى مصدر الصوت وأهتف "شكرَا لك!" فإذا بي أجد الطبيب الذي يريد الحصول على قلبي يجيبه "هلا عُدت إلى سريرك يا أستاذ رجاءً". يأتي الصوت الأيمن "في الواقع أنا طبيب". يقاطعه سارق القلوب "أنت هنا لأنك كنت في حادث، وليس لأنني طلبت إستشارتك. هذا الرجل ميت دماغيًا، الموجات الدماغية الصُغرى لا تعني أنه حي. لا تتعب نفسك." تفاجئني كلماته فأصيح "لا! أنا هنا، كيف لا يمكنكم إدراك أنني حي!" يُكمل قائلًا "لم يستجب القلب للتحريض بالألم أو الحرارة أو البرودة". أدور ببصري في المكان الذي أدركت بأنه مشفى بعد أن تحسنت رؤيتي قليلًا ولا أستطيع تمييز سوى طبيبي الذي يجزم بأنني ميت، يأتي صوت مُنقذي من اليمين "إذن لماذا تتبعك عيناه؟" أصرخ "استمع إليه أرجوك!" يجيبه "حركة التتبع منعكس لا إرادي، أنت طبيب ولابد أنك أعلم بهذا". يظهر وجه صاحب الصوت الأيمن أمامي أخيرًا، ذو وجه طويل يظهر عليه آثار لجروح صغيرة متفرقة وعيون بنية واسعة، يبدو أنه يخاطبني هذه المرة، قائلًا "وأنا كذلك أعلم بمتلازمة السجين... اطرف بعينك إن كنت تسمعني."
أجيب بسرعة "أنا أسمعك!" .. أتذكر أنه هو من لا يستطيع سماعي، أحاول أن أستجمع قواي لأطرف، فعلتها!

يفحص طبيبي عيناي بكشاف نورٍ صغير، ليعلن بعدها أن حركتهما إرادية، ويقتنع أنني مازلت على قيد الحياة،  يطلب مني أن اطرف مرة للإيجاب ومرتين للنفي. يسألني الطبيب المُنقذ "ما هو الجذر التربيعي لتسعة؟" .. أطرف ثلاث مرات. "الدماغ يعمل بكفاءة". يخبرني الطبيب الذي كان يريد إنتزاع أعضائي "لقد ابتليت بحادث تسبب في أذية جذع الدماغ مما يحجب قدرة دماغك على الإتصال بسائر أعضاء الجسم. مازالت هناك حركة في عينيك، يمكننا وضعك في مصحة حيث تتعلم كيفية التواصل .." سيدعونني إذن عالقًا هكذا. يُعطيني الطبيب الآخر أملًا جديدًا "سكتة، أو ورم، أو حتى عدوى بسيطة قد يكون سببًا في الحادث، وكل ذلك قابلًا للعلاج". يطعن طبيبي الأمل بسكين قائلًا "لابد أن يتقبل ما حدث له ويعمل على إستغلاله بالشكل الأمثل".  

أتأمل سقف الغرفة الصغيرة التي وضعوني بها، وربما لن أستطيع أن أرى سواها لفترة لا أعلم كم ستطول. كنت مُدركًا تمامًا لما يحدث في محيط الغرفة. سمعت الطبيب يحادث أحدًا قائلًا "بغض النظر عن الحادث، جلطة في الشريان القاعدي أو نزف دماغي من الممكن أن يكون سببًا في الحالة. لكن المسح الطبقي كان نظيفًا." يُكمِل "والرنين المغناطيسي أيضًا لم يُطهر أي أورام دماغية". يبدو أنني سأظل هكذا لفترة لا بأس بها قبل أن يكتشفوا ما الذي حلَّ بي.
أفتح عيناي ولا أدري متى أغمضتهما، لأعلم بأنني أعاني أيضًا من فشل في الكبد، وأنني قد اجتزت نوبة للتو. أحاول أن أخبرهم بأنني قد يأست، لا أريد أن تستمر حياتي على نفس المنوال، أريدها أن تنتهي بسلام لا أن أعيش ولا أستطيع التواصل مع العالم إلا من خلال طرفة عين. ولكنني لا أستطيع سوى أن أغلق عيناي وأفتحهما.
يظهر أمامي وجه طبيبي الآن "اظهرت التحاليل فحص إيجابي لـ  ... لقد دمرت العدوى كبدك، مما حرر سمومًا وأصابك بمتلازمة السجين. سنضعك على العلاج الصحيح". أهمس أن أتمنى أن يكونوا محقين، أو ليُخطئوا وينهوا على ما تبقى مني.

"حاول تحريك اصبعك" يظهر الطبيب موجهًا كلامه إليَ، بعد ثلاثة أيام هم الأسوأ في حياتي على الإطلاق. "على دماغك أن يعتاد عمله مجددًا، حاول أكثر. أنا واثق أنك فقدت الأمل، ولكننا عرفنا ما بك الآن". أحاول أن أرسل أمرًا لإصبعي بأن يتحرك. تحرَّك .. تحرَّك الآن. تظهر أمامي يد الطبيب وقد أمسك بيدي وأرى إصبعي يتحرك بالفعل. "مرحبًا بعودتك" يقولها ويرحل.

...

Dr.House Season 5 Episode 19

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق