الاثنين، 9 يونيو 2014

الهروب إلى الوجع لا منه



خلينا نقول إننا ممكن نعيط هنا بالكلام أريح ما نعيط بالدموع.
وإننا ممكن نشكي همنا وخيبتنا للي بجد هيسمعونا، ونقول لكل الناس اللي بيخذلونا وبيسيوبنا متفشفشين ويمشوا ويبعدوا عننا أوي لحد ما يبقوا جنبنا بالظبط ومش عارفين نشوفهم ومش مصدقين إنهم كانوا هنا في يوم من الأيام ونحتار ومنبقاش عارفين هو صحيح اللي حصل ولا احنا كنا بنحلم بس. خلينا نقولهم إنتوا مش عارفين إنتوا وجعتونا إزاي، يا ريته كان وجع ساعة وخلاص، إنما ده وجع بنفتكره كل ما نفتكر وجعنا الشخصي اللي مبيتعالجش وملوش مسكنات.

خلينا نتكلم عن كل الزعل اللي قلبي بيبصلي بيهم وهو مدمع ويقولي "إنتي إزاي بتعملي كده فيا" وأنا أتنح ومعرفش أرد عليه ونقعد نعيط سوا.
أو نحكي عن عيطانا على حدوتة قريناها أوي بحُرقة واحنا بنقنع نفسنا جامد إننا بنعيط على (أ) مش بنعيط على نفسنا.
خلينا نعلن إننا أخيرًا عرفنا شغفنا فين، فزعلنا أكتر علشان مش عارفين نروحله.
وإننا خلاص عرفنا ايه الحاجات اللي بتبسطنا في العالم، ومن كتر ما هي مش حقيقية اتقهرنا.
خلينا نقول إننا بنفشل كل ما نحاول نتكلم عن حاجة غير الخوف والوجع، وإن كلامنا بقى متعاد بزيادة بقى، بزيادة.
خلينا نعيط أوي بقى المرة دي علشان مش لاقيين ولد لطيف ييجي يقعد جنبنا واحنا قاعدين على الرصيف وبنعيط، حتى لو مكانتش عندنا الشجاعة اللي تخلينا نروح نقعد على الرصيف ونعيط فعلًا، بس هو شاف ده في عينيها، وهي كانت واقفة مستنياه ومجاش.
خلينا يكون عندنا الشجاعة نواجه نفسنا بأبشع الحقايق في حياتنا ونكررها كتير، ونطلع راسنا من الرملة ونبدأ نجري -من الحقايق دي- ونروح لحقايق تانية في الناحية التانية من الأرض، حقايق مستنيانا واحنا سايبنها وقاعدين هنا.
خلينا نبطل نعصر روحنا علشان تعيط، احنا أصلًا مش ناقصين.

خلينا نصدق -حتى لو مش حقيقي- إن الشيكولاتة والنسكافية بيسكِّنوا الحزن، والمشي بيطرد الأفكار المزعجة من دماغنا -علشان بنفكر في وجع رجلينا غالبًا-، وإن الأماكن اللي بنحارب علشان نعملها ذكريات جديدة تمحي الذكريات اللي بتوجعنا وكل اللي بننجح إننا نعمله هو إننا بنشوّه الذكريات كلها.
خلينا نصدق إننا مش موجوعين من دناءة العالم والقدر اللي خلانا يُتما وأهالينا عايشين، ونصدق إن أكتر بني آدم بنخاف على حياته في الكون هو الوحيد اللي لما بَص ف وشنا من واحد وعشرين سنة وأسبوع ضحك -واحنا قادرين نتخيل الضحكة بالظبط-.
خلينا نصدق إن مخاوفنا اللي بتمشي معانا في كل حتة مبتقدرش تدخل معانا المكتبة، زي ما الشياطين مبتعرفش تدخل رمضان.
خلينا نصدق إن الحاجة اللي كنا هنقولها هنا ونسيناها كان أحسن لها تتنسي.

خلينا نقول للبحر من هنا إنه واحشنا أوي وإننا مش هنعرف نروحله وإننا مش مكتوبلنا -دلوقتي- نكون مع بعض.
بس أمانة، لو شوفته متخليهوش يبطل يستنى، يا بحر، أصلًا هو هيقولك كده.

...

-" كلنا بلا استثناء بنلف في الدواير...والدنيا تلف بينا. كل الناس والنباتات والحيوانات بيلفوا في دواير...لأن الدايرة هي الأسلوب العبقري في ضمان الاستمرارية وعدم التجديد...المشكلة - أو العبقرية - أن ربنا خلق الدواير ديه أوسع من ما يمكن لعلقنا الصغير أنه يدركها...دايرة كبيرة قوي...ماينفعش تركز في تفاصيلها أو تلمها الا لو عشت في دواير كتير قوي وفضلت فاكر تفاصيلها...يمكن عشان كده ربنا خلقنا بننسى...عشان لو مانسيناش...ماحدش أصلا هايغلط."
ـــــــ محمد صادق
وأنا مش عايزة ألف في دواير "أنا ليه عملت في نفسي كده" طول عُمري.
ليه مينفعش بكل بساطة نقرر إننا هنتولد من جديد ونبدأ حياتنا من الأول؟
وهو الواحد بيسمع ايه وهو موجوع؟ = هو الواحد بياخد دوا ايه لما يكون عيان؟

خلينا نعترف إننا كان نفسنا نكون هي، بس حظنا طلع وحش أوي وبقينا احنا.

...

"-مالك؟
-تعبان.
-حاسس بإيه؟
-مش عارف."


...

مش هنعرف نعيش على الكرة الأرضية أكتر من خمس ساعات واحنا معندناش أكسجين الإرادة يا علي. خليني أتفلسف شوية كمان وأحكيلك عن القطة اللي طلعت فوق الشجرة ومعرفتش تنزل وفضلت مستنية حد ييجي ينزلها، وبتفكر نفسها كل شوية إنها هي اللي طلعت فوق بنفسها، والشجرة قعدت تكبر وتطول يا علي والمستحيل بقى بالنسبة لها مستحيل أكتر، لو فيه درجات من المستحيل، زي درجات الموت اللي مبتعترفش بيها قواعد النحو في العربي وبيستثنوها من قاعدة أفعل.
المُهم دلوقتي، هننزل إزاي؟

خلينا نكتب إننا بنقول أكتر بسُكاتنا، وإن اللي المفروض يكونوا هنا وبسمعونا هم اللي أغبيا واننا بنكره غبائهم ده.
أو خلينا نواجه نفسنا بأننا إحنا اللي أغبيا يا هناء، احنا عيشنا كتير ومعرفناش نتكعبل بالصدفة في واحد بس في البلد دي يعرف يطبطب علينا، أو يطمنا بكلمتين، بدل ما احنا قاعدين نكلم نفسنا ومش عارفين نهرب فين من بُعبُع الفشل وألزهايمر وصورتنا واحنا عواجيز قاعدين لوحدنا في دار مسنين مش عارفين عن العالم أكتر من اللي كنا عارفينه واحنا عندنا سنة واحدة.

...

مشهد "سبونج بوب" وهو بيقول "أستطيع أن أعُّد على الأقل ثلاثة أصدقاء" وبيعمل بإيديه تلت صوابع، ويسكت شوية، ويجيب قلم يرسم بيه وشوش على التلت صوابع ويقول "ها هم أصدقائي" ده مشهد في قمة البؤس اللي في العالم.
انتوا التلاتة فعلًا اصحابي، وانتوا مش موجودين كده.

"عيب كمان تقولي أي."


...
وإلى التلاتة اللي على أرض الواقع أصحابي فعلًا:

كوني طلبت منك متكلمنيش لحد نهاية العالم أو نهاية الإمتحانت أيهما أقرب، ده لأني شايفاكي سخيفة لأقصى درجة وانتي بتهزري وأنا هأنفجر ذاتيًا من الكآبة والحزن. ينفع تضحكي وانتي بتصلي طيب؟ متقوليش طريقتك كده. زي ما قدسية الصلاة ليها إحترامها، قدسية الحزن برضه ليها إحترامها.
وإن مكنتيش واخدة بالك، أنا رميت العالم كله ورا ضهري وعملت قوية، وجريت عليكي أكلمك علشان تواسيني وتهوني عليا، وعلشان نسرق ساعة من الزمن سوا وأحكيلك عن وجعي اللي حفظتيه، بس مبعرفش أحكي عن وجعي مع حد غيرك.

كوني مرديتش عليكي لما بعتيلي رسالتك الأخيرة، ديأحسن حاجة عملتها. أنا كنت كتبت بالفعل رد من أسخف الردود اللي ممكن يكتبها إنسان في الدُنيا. ومسحته ومبعتوش رفقًا بيكي.
وانتي كمان ليكي نفس الكلام.

...
هو أنا ليه مينفعش أموت دلوقتي؟

السبت، 7 يونيو 2014

شو كانت بِشعة الليالي


***

السلام على اللي فاتونا مش فاهمين

السلام على اللي راحوا ومش راجعين
السلام على اللي منّا ومش عارفين
إن المحبة لأجل ما تزيد لابُد تقل


***


خلينا نتفق إن الحياة بقت روتينية لدرجة مبقتش معاها أي حاجة بتدعو حقيقي للدهشة، أو إثارة أي إنفعالات سواء كانت حزينة أو سعيدة. لما كنا بنشوف مأساة إن الحاجات الحلوة تحصل ومتفّرحناش كنا فاكرين العيب في الحزن، طلعنا أصلًا مبنزعلش. مبقيناش بنحس بوجه عام.
الإحساس المُفتقد فعلًا مش الفرحة، إنما الوَنَس.
اللي مشينا ندوّر عليه في حاجات قديمة محسيناش بقيمتها غير دلوقتي، فاكتشفنا إننا ضيعنا كل الحاجات القديمة دي ومفضلش منها أي حاجة.
جرينا نبدِّلها بحاجات جديدة زي كل الناس، بِعنا الغالي بالرخيص أوي. ورمينا ورا ضهرنا كل كراكيب الذكريات، ورمينا معاها الوَنَس من غير ما نُقصد.
باقي لنا ايه غير السَهر والشاي والمزيكا وتفاصيل مسلسلات قديمة؟

خلينا نواجه نفسنا بشوية حقايق أهمها إننا لو كنا عايزين نتغيّر فعلًا كنا اتغيرّنا، بس المانع مش الظروف زي ما بنعلق على شماعتها الأسباب، المانع إننا أصلًا مش واخدين النية بجد ومُعتبرين القول تسكين ضمير، وعلشان نسكِّن صح عملنا نفسنا زعلانين من النتيجة اللي وصلنالها.
حقيقة تانية بتقول إن الفشل بيُقاس بمعاييرك إنت، وأي حاجة تانية الناس يقولوها ممكن نضرب بيها عرض الحائط عادي. منطقيًا مينفعش تفشل في حاجة إنت مش عايز توصلها أساسًا، بالعكس إحنا ممكن نعتبره مكسب وبداية كويسة إنك تغيّر الطريق وتروح تنجح في اللي عايز تنجح فيه.
حقيقة تالتة بتترتب على التانية بتأكد إن مفيش حاجة في الدُنيا اسمها فشل أصلًا، وإن ده مُجرد مُسمَّى أطلقه واحد عنده قُصر نظر.

لو بصينا للصورة الكبيرة للحياة بتاعت "كل" الناجحين هنلاقيهم أكتر ناس فاشلة في الكون.
مش محتاجين نتكلم أكتر من كده عن معضلة الفشل والنجاح ونكرر كلام تنمية بشرية مفيش منه رجا، بس كنا محتاجين نأكد على الحقيقتين دول في المرحلة دي من حياتنا.
حقيقة رابعة بتقول إن طبيعي إننا نكره نتعب مهما كانت الغاية بنحبها. المفروض إنك تذاكر وأنت مبسوط إنك بتذاكر رغم التعب علشان تنجح، أو تسهر على ريبورت وتطبق للصُبح وأنت مبسوط علشان حاسس إنك مُميز ووَحْش وقادر تتغلب على النوم علشان تخلص شُغل، أيًا كان الإنجاز، التعب المفروض نتبسط بيه.
حقيقة خامسة وأخيرة بتقول إننا مُمكن نبعد عن الناس اللي بنحبهم علشان بنحبهم، وإن ردودنا عليهم في وقت مُعين هتكون بشعة للغاية، علشان كده بنسكت، بنتقوقع شوية، وهنرجع طبيعين. لما تلاقي الحد اللي بيتقبل الموود سوينجس بتاعتك وبيفهم سكوتك أكتر ما بيفهم كلامك، ومبيحاولش يشد الحبل بتاعك علشان ميتقطعش، متسيبوش وامسك فيه بكل ما أوتيت من باور حتى لو جيت على نفسك حبة وقلتلهم بطريقة غير مُباشرة في مكان أنت عارف إنهم هيقروا فيه كلامك.

أنا شاكرة جدًا لدور البرد اللطيف اللي كان بيخليني أنام بعُمق من أثر العلاج، وأنام طول الوقت. كنت محتاجة في وقت زي ده إني أفصل شحن شوية علشان أعرف أكمِّل. حتى لو الواقع بيقول إني مكملتش أو أصلًا مبدأتش. وحتى لو محاولتنا ساذجة وبنضحك بيها على ضميرنا علشان يسكت. حتى لو محاولتنا هبلة وغبية هتفضل أحسن من اللا محاولة. وحتى لو كنا موصلناش لطريق الطريق اللي عايزين نمشيه أصلًا، إحنا لسه مُقتنعين إننا هنوصل وده في حد ذاته كفاية أوي.

بعد كل ضربة على دماغي بآخدها من الدُنيا بأدخل في phase الحكمة اللي بأطلع منها بقوانين عظيمة فعلًا ممكن تتدِّرس. بيحصل إن شهرين بالظبط كمان وبأدخل في phase ألزهايمر وبأنسى كل اللي حصل وكأني لسه مولودة حالًا دلوقتي وبأواجه الدُنيا من أول وجديد من غير أي خبرات ولا تجارب، حتى إني بأتحط في نفس ذات الإختيارات يا مؤمن، هي هي، مفيش أي فرق وربنا، وبأحتار أختار أنهي فيهم. مع العلم بإني بأكون مريت بتجربتين أو تلاتة -مش تجارب عاطفية زي حماقي لأ- واتعرضت لنفس موقف الإختيار ومشيت في طريق منهم ووصلت لحاجة وطلعت بنتيجة، كل ده بيروح فين؟
فيه صوت بيرن في وداني دلوقتي -وده غالبًا قريني- بيقول "سُمِّي الإنسان من النسيان. طيب.

بعد كل فترة في حياتي بأكتشف إكتشاف مُوَّحد في جميع الفترات؛ ألا وهو إني كنت غبية أوي.
وتعدي فترة واتنين، واسترجع الذكريات، وأبص ورايا، أكتشف إكتشاف مُهم جدًا؛ ألا وهو إني كنت غبية أوي.
يعني بالرغم من إني معيشتش في حياتي -اللي حيا الله واحد وعشرين سنة دي- إلا كام فترة يتعدوا على الصوابع، إلا إني في كل فترة بأكتشف إني كنت غبية أوي في الفترة اللي قبلها. مش عارفة حقيقي ده سوء حظ ولا غباء من الآخرين.
ريم كانت قالت مقولة عظيمة جدًا لازم تُخلَّد: "لا يُلدغ المؤمن من جُحر مرتين، لكن مُمكن يُلدغ تلاتة أربعة عادي."
طيب أنا عارفة إن " لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم غيركم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم"، وأنا معنديش مانع أغلط وأتوب، بس التنويع حلو برضه. يعني ممكن أغلط غلطات مختلفة أتعلم مهم، بعدين أغلط تاني غلطات تانية خالص. اللي بنعمله ده تهريج. معندناش كريتيفتي كافية مثلًا إننا نبتدع غلطات جديدة؟
وإن كان لازم ولابد نعيد الغلط حتى نتعلم منه، هنتعلم امتى؟ هنتعلم امتى بقى والغلط داس علينا رايح جاي خمستاشر مرة لحد دلوقتي. وإقتباسًا لمقولة من مقال لعُمر طاهر تُنسب لمصطفى شعبان في مسلسل ما «حتى الغلط لازم يتعمل صح علشان يكيف».

إكتشاف المرحلة المُهم جدًا، بل اللي في غاية الأهمية، إننا مينفعش نثق في وجهة نظرنا عن نفسنا أكتر من ثقتنا في موتوسيكل جاي في وشنا واحنا بنعدي الشارع. الحقيقة اللي هتظهر بوضوح ووقاحة بمرور الأيام هتزرع في دماغنا أفكار من نوعية "أنا اتغيرت كده ليه"، أو "أنا مكنتش كده"، "زمان كنت كذا ودلوقتي كذا". الواقع إننا على طول بنتغير، وإذا كان مزاج سيادتنا بيتغيّر في اليوم الواحد عشرين مرة، شخصيتنا نفسها مش هتتغير إزاي؟
في علم النفس كان فيه مثال لتعريف الشخصية أنا شخصيًا وقعت في غرامه؛ كان بيشبه الشخصية بمجرى الماء، اللي كل ما هتيجي توصفه هتلاقيه اتغيّر. لو كنت قوي الملاحظة وفطين هتستنج بنفسك إن علم النفس محطش تعريف محدد للشخصية، وحضرتنا بكل قنعرة فارغة بنتحدى قواعد علم النفس وجايين نحط تعريف لشخصيتنا ثابت أبد الدهر؟



والسؤال اللي دايمًا بيطرح نفسه بقوة؛ إحنا امتى هنوصل لليوم اللي نقف فيه بكل فخر واعتزاز ونبُص ورانا ونبتسم، ونغني "شو كانت حلوة الليالي .. " من غير ما نكون بنكدب على نفسنا علشان بنحب فيروز.


الجمعة، 6 يونيو 2014

صلاة

لو أنني انسقت وراء تلك الوساوس، لن أفعل أبدًا ما يستدعي مني الفعل.
لو أنني ما صمدت في مواجهة كل تلك المستحيلات، ستدهسني كل الممكنات.
ولو أنني فقدت الأمل بين كل تلك الأوراق التي تحتوي على معادلات كيميائية سخيفة لا نفقه منها شيء، وتركتها -الأوراق- بحثًا عنه -الأمل- في مكانًا آخر، سأضيعه للأبد.
ولأنني أخشى تكرار المآسي، وأتسلّح باللامبالاة في مواجهة مخاوفي، سأبقى ألتمس الوَنس بعيدًا عن الأحلام التي ضيعتني.
ولأنني أضعف من أحتمل نتيجة ضعفي، ألتمس من الله القوة.
فيا الله، لا تدعني لنفسي، أعوذ بك من شرها، ومن همزات الشياطين، ومن الخوف واليأس.

الثلاثاء، 3 يونيو 2014

المغامرة الإتنين وعشرين*





***

مش عارفة ايه أسوأ، إني أكتب مخاوفي، ولا إني أحبسها جوايا وأتناساها؟

وحكي المخاوف لو تعلمون أكتر فعل بيوجع في الكون.
لكن ساعات الواحد بيحتاج حد يسنده طول الطريق، ولو بإحساس إنه مش لوحده.
وساعات إنك تسند نفسك بنفسك في الأوقات اللي زي دي بيكون أجدع حاجة ممكن تعملها في حياتك.


الأيام شبه بعضها بشكل سلبي، من غير أي إنجازات تدعو للفخر. من غير حتى الإنجازات المطلوبة مننا.

مش عارفة أحكي عن الإحباط من انتظار حاجة تحصل ومتحصلش. مش عارفة أحكي عن كسفتي قدام نفسي مثلًا.
تحصلك أربعة وعشرين حاجة حلوة مكنتش مخطط لهم، والحاجة الخمسة وعشرين اللي كان نفسك فيها متحصلش، فمتفرحش. ده لأن البني آدم كان أصله طوبة.

فيه أسئلة ملهاش إجابات غير عندك. قرارات مصيرية محدش تاني ينفع ياخدهالك.
واللا قرار ده في حد ذاته قرار. وأنك تاخد قرار غلط أحسن من أنك متاخدش قرار أصلًا والدنيا تفرض عليك الأمر الواقع بمزاجها.

فن إختيار الصُحبة بيقتضي إدراك إننا مخلوقات مش كاملة، فتكون قادر تحدد دور كل صاحب في أنهي دايرة من دواير حياتك -واللي بالطبع مينفعش يكون شامل كل الدواير-، ظلم ليه ولنفسك لو استنيت منه يلعب دور مش بتاعه.
أحسن لك -كمان- إنك متحرّكش حد من البوزيشن بتاعه (كزميل- كصديق .. إلخ.) لبوزيشن أعلى من غير داعي، ومن غير ما تتأكد بالبُرهان والدليل. هو هيكون مصدر سعادة في البوزيشن بتاعه، ومصدر نكد مستمر لو نقلته لمكان تاني بمتطلبات مختلفة هو مش قدها.

فيه قاعدة بتقول إن فاقد الشيء أكتر واحد بيتكلم عنه.
فيه كمان قاعدة بتقول إنك ممكن تستهبل فيها طول ما فيه ناس مصدقاك.

من أحلى الأدعية اللي ممكن ندعيها إن يا رب متخليناش ماديين، متعلقناش بالمادة. نوّرلنا بصيرتنا وخلينا نشوف بقلوبنا أكتر ما بنشوف بعنينا. علّي أرواحنا عندك، احمينا من شر الحيرة ووجع الغُلب، وحرقة الحسرة ع اللي فات ومش راجع، وع اللي راح ومش راجع، ورعشة الروح من خوفها من بُكره لسه علمه عندك، خلينا قادرين نحلم من غير ما نخاف من كسرة الخاطر.

----------

لما فكرت إحنا لسه دايمًا بنحس إننا مُحبطين، لقيت إننا بنعلي سقف توقعاتنا من نفسنا أوي، أوي، قدام الصورة دي بنشوف نفسنا عجزة وصغيرين، أصغر من حجمنا الحقيقي بكتير.

عارفة ايه هو النُضج؟ إنك تتعاملي مع ولد بيعاملك حلو على إنه ولد لطيف بيعاملك حلو، مش على إنه مُعجب.
المُفارقة إني عمري ما ندمت على معرفة بنت، وإن كل اللي بيخذلوني بيكونوا ولاد. ده بيعزز نظريتي في كره الرجالة طبعًا.

عارف إن ده شهر فرصة ندخل رمضان نُضاف جاهزين للإرتقاء؟

أوحش حاجة ممكن تحصلك في الدُنيا إنك تكون بتعمل حاجة أنت بتحبها، وييجي حد يمدحها، فتتحول لعمل نفس الحاجة علشان تتمدح مش علشان بتحبها.
كمان بلاش نموّت الحاجة اللي بنحبها بإننا نحولها لروتين.

كنت قريت حاجة بتقول إن مشكلة البنت إنها محتاجة حد يهتم بيها أربعة وعشرين ساعة في الأربعة وعشرين ساعة. ده حقيقي أوي يا علي. الإهتمام بمفهومه الحلو مش الملزق بالمناسبة.

متهيألي مفيش إحساس أسوأ من حد بيعاملك حلو وبطريقة مميزة، وبعدين -بالصُدفة- تلاقيه بيعامل كل الناس كده.
كمان فعل إنك تهتم بحد وتتوقع منه حاجة ده في غاية السوء.

شابوه لقلبي اللي مبقاش يزعل على ناس مشيوا من حياتنا بمزاجهم.
شابوه تاني ليا إني سيبتهم يمشوا، ومستمريتش في المحاولات المتكررة اللي ملهاش معنى.

نوعد نفسنا إننا مش هنقلل أبدًا من نفسنا بسبب تصرفات ناس يقربولنا، إحنا مسئولين عن تصرفاتنا، وتصرفاتنا إحنا بس، وبناءً عليه؛ إحنا جامدين جدًا.
كوننا بنكره ده كمان مش معناه إننا وحشين، لكن ذاكره قديمة مشوّهة ونفسية مليانة كدمات مكناش إحنا السبب فيهم هم اللي خلونا كده. تعاملنا مع الكُره ده هو اللي بيحدد مدى صلاحنا، وبكده نكون إحنا أبطال.

منطقيًا مفيش حاجة إسمها ( الأحداث بتتعاد ) يا ريم.
فيه حاجة اسمها إحنا متغيرناش، لما أحداث جديدة عدت علينا لقيتنا زي ما احنا.
فيه حاجة اسمها روتين سنوي مرير.
فيه طريق محطاته كلها نظام واحد، لازم نتعلم نتعامل معاه.
فيه حاجة اسمها احنا -بغباء- بنختار نفس الإختيارات الغلط.
لكن أبدًا الأحداث مش بتتعاد، والتاريخ مش بيعيد نفسه، فيه ناس بييجوا بعد التاريخ أغبيا ومبيتعلموش منه وبيغلطوا نفس الغلطات فبيوصلوا لنفس النتيجة.


"قمة الغباء أن تكرر نفس الفعل مرتين متخيلًا أن النتائج قد تتغير." ــ اينشتاين

مش مكتوب علينا نلف في دواير والدنيا تلف بينا ودايمًا ننتهي لمطرح ما ابتدينا، ومش مكتوب علينا الغباء.

البرد في عز الصيف زي الوحدة في وسط الناس.
زي الزحمة اللي في قلبك وأنت لوحدك.
زي البُكا المكتوم في عز الوجع.
وزي حكايتي كلها، اللي بيفرق فيها بس التوقيت، واللي بيسيطر عليها هو التناقض.

إحساس إن الأيام بتتسرق من بين إيديا وبتخلص بسرعة أكبر من اللي المفروض تخلص بيها بيسببلي ألم أكبر من ألم عطسة البرد.


المغامرة الإتنين وعشرين، اللي منطقيًا مينفعش نغلط فيها نفس الغلطات، فنجرب غلطات جديدة بضمير مستريح، وناخد قرارا غبية زي ما احنا عايزين، نتعلم من كل اللي هنمر بيه علشان أكيد لازم هنطلع بحاجة.

"أنا راح مني كمان حاجة كبيرة .. أكبر من إني أجيبلها سيرة .."

عمنا صلاح جاهين

-----------
*العنوان مُقتبس عن فنان الكاريكاتير مخلوف.

الثلاثاء، 27 مايو 2014

شر العشق في المُطلق



شيماء العزيزة ،

أنا بأكتبلك دلوقتي علشان إنتي عايزة تكتبي ومش لاقية وقت.
بأكتبلك علشان أنا بحبك، وعلشان الكتابة ليكي فعل مُتعة.

ليه بنتعلق بالناس كده؟
الحب فعل وجودي يا شيماء، إحنا بنحب إذن إحنا موجودين.
إحنا بنتعلق بالناس علشان هم يستاهلوا، او ساعتها بنكون شايفينهم يستاهلوا.
ربنا خلق جوانا شعور التعلق علشان احنا مجيناش هنا نعيش لوحدنا كل واحد في جزيرته الخاصة، كل واحد ليه حبيب وعيلة وجيران وأصحاب ومعارف، وميقدرش يعيش من غيرهم، مش بس احنا، الكائنات كلها بتعيش في أسراب، قطيع، وهكذا ..
عارفة إن مش ده اللي انتي تقصديه وجايالك في الكلام اهو ..
احنا دلوقتي بنحب كل حاجة يا شيماء، ودي طاقة لو عرفنا نستغلها هنكسب كتير أوي..
طبيعي بقى لما نحب نتعلق، ننبهر ونتشد، زي الفراشات الصغيرة اللي بتفضل تقرب من النور لحد ما تتحرق، واحنا مينفعش نتحرق يا شيماء، لازم نعرف امتى نقف على مسافة محسوبة بدقة بعيد عن النور ده علشان نعرف نتفرج على جماله بس من غير ما نأذي نفسنا ..
احنا حلوين أوي يا شيماء..
حلوين بس مش كل الناس بتعرّف تقدر الحلاوة دي.
وعلشان احنا حلوين بنعرف نشوف الحلو اللي جوا الناس من غير أي مجهود منهم، بنشوف النور وبنتشدله، تلقائي، حاجة نازلة في السيستم بتاعنا ملناش يد فيها. بنهتم بيهم علشان نزداد جمال من حلاوتهم، في الحقيقة الجمال بيخلينا نحس بشوية قُبح جوانا لازملهم شوية جمال يعالجوهم، فبنقرّب أكتر وأكتر.
ازاي منتحرقش؟
مفيش وصفة مضمونة.
الواقع كمان بيقول إن مفيش حلاوة من غير نار، بالتالي إحنا علشان ندوق الجمال ده كله لازم نتحرق شوية، لازم ندفع ضريبة ..

تعرفي أن مش كل الحاجات الحلوة في الدنيا احنا قدرنا نشوفها؟
تعرفي أننا شفنا جزء صغير أوي من الجمال اللي في الكون؟
حاولي تشوفي الموضوع كده، إحنا متشفناش حلوين منهم زي ما احنا مشفناش غيرنا حلوين، هم مركزين في حاجات تانية واحنا مركزين معاهم، وسايبين حاجات تانية زي ما هم سايبنا الموضوع مجرد صدف كونية بحتة، بتخلينا نتكعبل فيهم وهم ميتكعبلوش فينا.
الدليل؟ أنهم لو ركزوا معانا شويتين هيعرفوا قيمتنا.
لو القدر سمحلنا نقرّب منهم، هيشوفونا بجد ساعتها.

تركيزنا مع الناس بيرهقنا، علشان بننسي نفسنا ماشيين ورا حاجات غيرنا، ماشيين ندوّر في حياتهم أتر ما بندوّر في حياتهم، وده أكتر فعل مُرهق في الوجود.
افتكري دايمًا أن دورهم في حياتك عمره ما هينفع يكون أكبر من دور البطولة.
عايزاكي تعرفي أوي يا شيماء إن أي حاجة بنعوزها بنوصلها، والله أي حاجة بنعوزها بنوصلها، بس احنا نعوزها بجد.اللي أنا متأكدة منه أننا لما بنعوز حاجة .. بتحصل. ده قانون كوني، ملناش دعوة اتحط ليه وإزاي.

مش عايزة أكمّلك الحكايات وأقولك إني لما بأقرّب أوي، بأكره أوي.
وأحكيلك عن كل الصور اللي اتهدت في دماغي عن ناس كنت شايفاهم أحسن ناس في الدُنيا.
ولا أقولك إزاي بأفقد الثقة في رأيي لما بألاقيني بأتخدع في الناس بسرعة كده.
وأكلمك عن الاستنتاج اللي طلعت بيه من التجارب دي عن إن إزاي الإنبهار بيعمينا، يمكن أكتر من الحب.

خلينا نشوف الجانب الجميل بقى، إني لما بأبعد عنهم تاني، بأرجع أشوفهم حلوين تاني. مقدرتش أفسّر الظاهرة دي لحد دلوقتي. بس تأويلي إن الصورة الكاملة من بعيد بتخلينا نشوف المُجمل الحلو بتاعهم، في حين إن القُرب أوي منهم بيخلينا نشوف الوحش المتداري (اللي عندنا كلنا بالمناسبة)، السر كله في المسافة، المسافة يا شيماء.


بتسأليني (ازاى واحنا عارفين اننا كلنا مش كاملين , برضه بنصمم نقرب أوى من دايرتهم , وفاكرين أننا هنشبع منهم أكتر بكدا , مع أن دا بيخلينا ننفر منهم ونبعد. احنا ازاى بنبقى عارفين الحل ونعمل عكسه ؟!)


هأجاوبك إن زي لما بنحب أوي حاجة حلوة، فنفضل ناكل فيها لحد ما تجزعلنا نفسنا. أو زي ما نحب أغنية أوي، فنسمعها عشرين مرة ورا بعض لحد ما نكرهها. دي حاجة نازلة في السيستم بتاعنا برضه.

أنا بس هأفكرك إنك قلتي الآتي:
"
احنا أصلا كبنى آدمين عبط جداً , وبنفتكر أننا فاهمين الدنيا , والموضوع بيطلع عكس ما احنا شايفينه خالص , بيطلع أكبر. عارفة الدعاء بتاع " اللهم أشغل قلبى بما يرضيك " بحسه أنسب دوا لوجع القلب اللى م النوع دا لإرهاق التفكير اللى بيجيلنا عشان تايهين ف جمال عبيده. ننبهر بيهم ماشى , نتوه ف جمالهم أوكى , انما نسيب اللى ورانا واللى قدامنا عشان نسرح ف كل كل وأدق تفاصيلهم , قال ايه عشان نشبع فضولنا! هو دا بقا اللى اسمه بيتهيألى تهلكة .. تهلك قلبك معاهم وتشغله بحاجة تدوخه .."

صدقيني، في مكان ما في الدُنيا دلوقتي فيه حد قاعد بيفكر فيكي، ونفسه يقرّب منك، وشايف فيكي الحلو اللي يبهره، وانتي مش حاسة بيه. متهيألي لو اعتبرنا إن اللي بيحصلنا تكفير ذنوب، وحق حد تاني، هنرتاح شوية.

ربنا ما يشغل قلوبنا بغيره يا شيماء. ربنا ما يشغل قلوبنا بغيره.


واكفينا شر العشق في المُطلق
وعشق الحاجات المُهلكة
والحيرة ع الحافّة
واكفينا شر تُقل الروح
ولجم اللسان م البوح
وشر الغُنا المبحوح
وشر البُكا المفضوح
وارزقنا بالخفة.
ــــ هديل عبد السلام

الاثنين، 26 مايو 2014

من أرض الخوف




"-مبترديش عليا ليه؟ .. أنا بأكلمك من الصبح.
-خايفة ..
-ومادام خايفة مجتيش تدوري ليه على الأمان في صوتي؟ ولا أنا سبب خوفك أصلًا؟
-مش عارفة حاجة .. وخايفة كمان علشان مش عارفة حاجة .. أنت متأكد إنك مش هتسيبني؟
-لأ مش متأكد، متأكد من حاجة واحدة بس، إن طول ما ربنا كاتبلي عُمر هأفضل جنبك، حتى لو انتي نفسك مش عايزاني أفضل جنبك، حتى لو كانت سعادتك في إني مفضلش جنبك، أنا أناني أوي .. بحبك لدرجة إني ممكن آجي عليكي بحبي ده ..
-كلامك يطمّن .. بس الدنيا ملهاش أمان، نفس الكلام اللي بتقوله ده ممكن ييجي يوم وتقول عكسه ..

-علشان المشاعر بتتغير؟
-علشان إحنا أصلًا بنتغيّر، ما بالك بالمشاعر .. خايفة توعدني وعد دلوقتي تندم عليه بعدين .. خايفة مشاعرك تتغير ومتسيبنيش علشان تكون قد كلامك.
-عارفة الناس اللي بيحبوا أهلهم لما بيبطلوا يحبوهم فترة؟ مهما عملوا بيفضلوا أهلهم .. عارفة ايه اللي بيربطني بيكي؟ مش بس مشاعري نحيتك .. اللي بيربطني بيكي حاجة أكبر من كده.
-جوايا حاجة مش مصدقة إننا هنكمل.
-ده اللي مخوّفك؟
-لأ، أنا خايفة من كل حاجة.
-حتى وأنا موجود؟
-وجودك ده شيء يخوّف لوحد أصلًا، الحاجات الحلوة اللي بين ايدينا بنخاف عليها أكتر كل ما تكون غالية أكتر، الحاجات الحلوة بس هي اللي بتخوّف ..
-الحاجات الحلوة بتخوّف بس لما الخوف ده يكبر ويبقى أكبر من سعادتنا بيها يبقى خوف مرضي، نبقى عيانين..
-أنا عيانة بيك.
-انتي لازم تصدقي انك لوحدك هتعرفي تعيشي برضه، وإن أنا مش هأسيبك تعملي ده.
-أنت ايه اللي بيخليك تحبني كده .. أنا أصلًا مبحبنيش.
-بتحبيني؟
-أيوة.
-يبقى هتحبيكي، علشان احنا بنحب كل الحاجات اللي بيحبها اللي بنحبه، وانتي بتحبيني وأنا بأحبك يبقى هتحبيكي .. سيبي انتي روحك بس، متحبيسهاش جوه مخاوفك، متعمليش حاجة خالص
-عارف؟ انت بتحضني بكلامك
-ولسه خايفة؟
-جدًا
-طبيعي إنك تحسي بالخوف، بس أوعي تخلي ده يخوّفك، هو مش بيقول كده برضه؟
*ضحكة قصيرة*
-عمري ما عرفت أضحكك زيه.
-بتغير؟
-يعني.
-لو قلتلك بحبك هتبقى مكالمة ملّزقة أوي.
-يعني اللي احنا بنقوله بقالنا نص ساعة ده مش ملزق
*ضحكة قصيرة* أنا خايفة أفضل خايفة كده على طول، وجودك مكانش آخر خوفي زي ما كنت فاكرة، أنا لما عرفتك خفت اكتر.
-الخوف ممكن يكون شيء إيجابي، بطلي بس تخافي منه، تخيلي كده لو كلنا بقينا مبنخافش، هنعرف نعيش؟
-زي أي حاجة، لما بتقل أوي أو بتكتر أوي مبنعرفش نعيش. تسمع حاجة؟
-زهقتي شكلك؟
-المزيكا حلوة، المزيكا بتهوّن كتير، بتهوّن أوي، مش عارفة ايه اللي يخلي حد يشرب مخدرات مثلًا مع إنه ممكن يسمع مزيكا
-مبتخوفكيش؟
-يمكن تكون الحاجة الوحيدة اللي مبتخوفنيش، تفتكر ليه؟
-...
- إنت مبتخافش؟
-تفتكري لو قلتلك إني بأخاف هتطّمني؟ بأخاف .. بأخاف يمكن أكتر حاجة منك، مش عليكي. بأخاف منك في كل حالاتك، بأخاف تعملي حاجة تندمي عليها، بأخاف تعملي حاجة انتي مش حباها، بأخاف منك تخافي اوي فتهربي.
-زي ما أنا بأعمل دلوقتي.
-انتي مش وحشة لأ، متفكريش كده، انتي ليه عايزة تثبتي لنفسك طول الوقت إن إنتي وحشة؟ ولأ ده ميثبتش برضه إنك وحشة، والله .. العظيم .. إنتي .. حلوة .. أوي
-كفاية كذب بقى . كفاية كذب ..
-عايزك تعوزي حاجة، غيري يعني، وتحاولي علشانها
حاولي علشان المحاولة فعل حلو، هتحبيه، هيحارب خوفك
-وانا كمان عايزة ..
-لأ لأ، إنتي كده مش عايزة .. فيه فرق بين الرجاء والتّمنّي، الرجاء انتي عايزة حاجة وبتعملي علشانها حاجات،
التّمنّي انتي عايزة الحاجة بس
-أنا بأتمنى أعيش
-هو صحيح محدش هيساعدك قدك، بس ساعات بنكون محتاجين حد يسندنا، ياخد بايدينا يعلمنا المشي لحد ما نعرف نمشي لوحدنا
أنا ممكن أعمل ده، بس هتسمحيلي؟
-مش عارفة، أنا ممكن أعيط دلوقتي؟
-انتي ممكن تقومي تعملي حاجات أحسن بكتير من أنك تتفرجي على المصيبة وتحطي ايدك على خدك وتعيطي
-كلامك بقى رخم
-أنا أصلًا رخم
-أعمل انا ايه دلوقتي؟
-عارفة ربنا؟
-*بإبتسامة* ألجأله
-الطرق لما كلها بتقفل، ربنا بيكون بينادينا .. لو الطرق كلها قفلت حتى الطريق لنفسنا، طريق ربنا مبيتقفلش أبدًا
-أصلًا ربنا بيحبني، علشان حاطك في حياتي
-أصلًا ربنا بيحب كل الناس، خليكي شاطرة واستاهلي الحب بجد
-أصلًا أنا مش عارفة لو أنت مش موجود كنت هأكلم مين أحكيله عن خوفي، عن كل الحاجات اللي مش عارفة أعملها، وعن وحدتي اللي مبتروحش غير لما بتكلمني، حتى لو أنا مردتش يعني.
-متتعوديش على كده
-بجد؟
-بجد
-واقعي إنت أوي زيادة عن اللزوم يعني.
-ده علشان بأكلمك، اعملي حسابك بس إني هنا دلوقتي، فكرة إن هنا هتريحّك، بس انا مش هأفضل هنا على طول، ولا إنتي كمان .. محدش هيفضل هنا على طول
-بتنكش خوفي بمنكاش.
-إنك تهربي من مخاوفك مش حل، واجهيها .. اقفي قصادها وقوليلها إنك مش خايفة منها، وإنك عارفة إنها موجودة وهتحاولي على قد ما تقدري .. هتحاولي علشان إنتي قوية، ميهمش ساعتها انتي هتكسبيها ولا لأ، محاولتك هي المهم.. محاولتك هي المهم.
-والهمة؟ والإرادة؟ والشغف؟ والطموح؟ والأمل؟ والتفاؤل؟ والدافع؟ الحاجات دي أجيبها منين؟
-هتيجي لوحدها .. لو حاجة واحدة جت كله هييجي .. بعدين احنا مش اتفقنا نلجأله؟
-حتى لو مش مقتنعة أنا مش قدامي حل غير كده.
عارف أنا رديت ليه؟ علشان محتاجة أسمع منك كلام، أي كلام، محتاجة أسمع منك إنك مش هتسيبني أضيع، إنه فارق معاك بجد إني أوصل، محتاجة أحس إني لو رحت نطيت من الشباك دلوقتي هتفرق مع حد، ومش أي حد.
-وعرفتي؟ ولا تحبي أعرّفك؟
-تقدر تقول حسيت
-بتكرهي تحسي إني أحسن منك، أول ما تحبي نفسك زي ما أنا بحبك، مش هتحسي بكده
-بأكره أكتر إنك كاشفني على طول كده.

-صحيح كنت عايز أقولك حاجة .. كل سنة وانتي الطيبة.
 -بـ حُبك"


الأحد، 25 مايو 2014

يا مُلتقى الصُحبة




من الجدير بالذكر إكتشاف المرحلة بإن المزيكا بتخرّج مننا الكلام من غير أدنى مجهود.
كمان مفيش حاجة في الكون كله أحلى من إعتراف كتابي بأن وجودك من أسباب البهجة، من شخص وجوده في الكون هو سبب البهجة الوحيد بالنسبة لك.
بالإضافة لإن المفاجآت أحيانًا بتثبتلنا إن الحياة مش روتينية للغاية، وأنها ممكن تخرج عن توقعاتنا، تمامًا.
مفيش أمنية تستحق نستناها زي رسالة مستنيين الوقت المُناسب علشان نبعتها، أو الوقت المثالي اللي هنتكلم فيه لأول مرة.

الحقيقة كمان إن مش دايمًا الحياة بتقف في صفنا، بس برضه مش هتكون ضدنا طول الخط، وهييجي يوم نِحس فيه إن الكون بيدور حوالينا، وإن كل الناس اللي نعرفهم إحنا مركز إهتمامهم النهارده وكل أمنيتهم في الحياة النهارده إننا نكون مبسوطين بسببهم.
الواقع كمان بيقول إننا ساعات بنعرف نكدب الكدبة ونصدّقها علشان بنكون محتاجينها. زي إنك مينفعش منطقيًا متفرحش بحفلة عيد ميلادك، أو بكلمة حلوة اتقالتلك، أو بهدية من حد مُهم عندك، أو إنك تشوف بالصدفة إسم حد كنت بتحبه زمان ومتحسش إنه واحشك.. إنتصار صُغير على قلبك اللي يستاهل الكوي ده.
لو اتكلمنا أكتر شوية عن الكدبة اللي بنكدبها وبنصدقها، لازم نجيب سيرة الغلطات اللي بنعملها ونتناساها بعدها بـ3 دقايق، ونرجع نعيش في دور المثالية الكدابة، احنا أصلًا أصلًا مبنغلطش يا علي.

مفيش على الأرض جملة أكثر سوءًا من "انتي مفيش حد زيك يا هبة" ويكون مقصودها الذم.
طيب خلينا نتفق إني مش هأدافع عن نفسي، بس مين أصلًا إدالك الحق في الحكم عليا، حضرتك بتشتغل إله بعد الضهر؟
خلينا برضه نواجه نفسنا إننا مبنستحملش النصيحة من حد.
سؤال وجودي بيطرح نفسه بقوة في دماغي، هل بتفرق في تصديق الناس لكدبتنا كوننا احنا مقتنعين بيها ولا لأ؟

بتحصل إننا نفقد الشغف اللازم لإستمرارنا في الحياة، بتحصل عادي.
كوننا عايشيين لازملنا شوية تجارب نعرف نجمّع بيها ليست بأسامي الحاجات اللي ممكن ترّجعلنا الشغف بتاعنا.
مينفعش بأي حال من الأحول يكون مصدر بهجتنا وارتياحنا نبع واحد.

مفيش أسوأ عامةً من تخيلك للحاجات الحلوة اللي ممكن تحصل بالتفاصيل علشان تصبّر نفسك، مع احتمالية حدوث اللي بتتخيله نفس احتمالية إنك تطلع بلوتو أسبوعين في الأجازة.
ايه أكثر بؤسًا من تصبير نفسك بالخيال؟
ايه أكثر بؤسًا من كلامك المستمر مع شخصية خيالية ملهاش وجود يا علي؟
وايه أكثر استحقاقًا للشفقة من أنك تستنى ظهور جميل في حياتك؟

في رحلة البحث عن الشغف، والتأمل شوية في المصايب اللي ممكن تحصل لو استمرينا في الحياة أسبوع كمان بنفس الأسلوب، في إنك تدوّر حواليك في الحيطان على باب تخرج منه، وإن ملاقيتوش إكسر الحيطة.

احنا لازم نعترف على كل حال بأننا مش هنفرح بحاجة حلوة مطلوبة، وإن كان الغلط من الاول إننا نعلن عن طلبنا.
وبكده، بندمّر كل نظريات الرسايل المتأجلة للفارس الجميل، وحكاية إنتظاره دي من أساسها.
خلينا نعترف برضه إن الوجود المعنوي بتاع ناس بنحبها ساعات بيكون أقوى من حضور مادي لناس تانية.
إن الكلام الحلو الكتير لما بنتعوّد عليه، مبيبقاش حلو.

إجمالًا للإعترافات الاخيرة في سن العشرين؛ لازم نرفع راسنا فوق ونعترف بأننا مرضى نفسيين، ومعقدين، ومبيعجبناش العجب.
وإن السادية والنرجسية بيكسروا كل القواعد المتعارف عليها وبيتجمعوا في شخصية جوزائية واحدة سمتها التناقض، والغرور وانعدام الثقة بالنفس برضه واللي بيثبت بالدليل القاطع مدى غرابة الكون.