الثلاثاء، 27 مايو 2014

شر العشق في المُطلق



شيماء العزيزة ،

أنا بأكتبلك دلوقتي علشان إنتي عايزة تكتبي ومش لاقية وقت.
بأكتبلك علشان أنا بحبك، وعلشان الكتابة ليكي فعل مُتعة.

ليه بنتعلق بالناس كده؟
الحب فعل وجودي يا شيماء، إحنا بنحب إذن إحنا موجودين.
إحنا بنتعلق بالناس علشان هم يستاهلوا، او ساعتها بنكون شايفينهم يستاهلوا.
ربنا خلق جوانا شعور التعلق علشان احنا مجيناش هنا نعيش لوحدنا كل واحد في جزيرته الخاصة، كل واحد ليه حبيب وعيلة وجيران وأصحاب ومعارف، وميقدرش يعيش من غيرهم، مش بس احنا، الكائنات كلها بتعيش في أسراب، قطيع، وهكذا ..
عارفة إن مش ده اللي انتي تقصديه وجايالك في الكلام اهو ..
احنا دلوقتي بنحب كل حاجة يا شيماء، ودي طاقة لو عرفنا نستغلها هنكسب كتير أوي..
طبيعي بقى لما نحب نتعلق، ننبهر ونتشد، زي الفراشات الصغيرة اللي بتفضل تقرب من النور لحد ما تتحرق، واحنا مينفعش نتحرق يا شيماء، لازم نعرف امتى نقف على مسافة محسوبة بدقة بعيد عن النور ده علشان نعرف نتفرج على جماله بس من غير ما نأذي نفسنا ..
احنا حلوين أوي يا شيماء..
حلوين بس مش كل الناس بتعرّف تقدر الحلاوة دي.
وعلشان احنا حلوين بنعرف نشوف الحلو اللي جوا الناس من غير أي مجهود منهم، بنشوف النور وبنتشدله، تلقائي، حاجة نازلة في السيستم بتاعنا ملناش يد فيها. بنهتم بيهم علشان نزداد جمال من حلاوتهم، في الحقيقة الجمال بيخلينا نحس بشوية قُبح جوانا لازملهم شوية جمال يعالجوهم، فبنقرّب أكتر وأكتر.
ازاي منتحرقش؟
مفيش وصفة مضمونة.
الواقع كمان بيقول إن مفيش حلاوة من غير نار، بالتالي إحنا علشان ندوق الجمال ده كله لازم نتحرق شوية، لازم ندفع ضريبة ..

تعرفي أن مش كل الحاجات الحلوة في الدنيا احنا قدرنا نشوفها؟
تعرفي أننا شفنا جزء صغير أوي من الجمال اللي في الكون؟
حاولي تشوفي الموضوع كده، إحنا متشفناش حلوين منهم زي ما احنا مشفناش غيرنا حلوين، هم مركزين في حاجات تانية واحنا مركزين معاهم، وسايبين حاجات تانية زي ما هم سايبنا الموضوع مجرد صدف كونية بحتة، بتخلينا نتكعبل فيهم وهم ميتكعبلوش فينا.
الدليل؟ أنهم لو ركزوا معانا شويتين هيعرفوا قيمتنا.
لو القدر سمحلنا نقرّب منهم، هيشوفونا بجد ساعتها.

تركيزنا مع الناس بيرهقنا، علشان بننسي نفسنا ماشيين ورا حاجات غيرنا، ماشيين ندوّر في حياتهم أتر ما بندوّر في حياتهم، وده أكتر فعل مُرهق في الوجود.
افتكري دايمًا أن دورهم في حياتك عمره ما هينفع يكون أكبر من دور البطولة.
عايزاكي تعرفي أوي يا شيماء إن أي حاجة بنعوزها بنوصلها، والله أي حاجة بنعوزها بنوصلها، بس احنا نعوزها بجد.اللي أنا متأكدة منه أننا لما بنعوز حاجة .. بتحصل. ده قانون كوني، ملناش دعوة اتحط ليه وإزاي.

مش عايزة أكمّلك الحكايات وأقولك إني لما بأقرّب أوي، بأكره أوي.
وأحكيلك عن كل الصور اللي اتهدت في دماغي عن ناس كنت شايفاهم أحسن ناس في الدُنيا.
ولا أقولك إزاي بأفقد الثقة في رأيي لما بألاقيني بأتخدع في الناس بسرعة كده.
وأكلمك عن الاستنتاج اللي طلعت بيه من التجارب دي عن إن إزاي الإنبهار بيعمينا، يمكن أكتر من الحب.

خلينا نشوف الجانب الجميل بقى، إني لما بأبعد عنهم تاني، بأرجع أشوفهم حلوين تاني. مقدرتش أفسّر الظاهرة دي لحد دلوقتي. بس تأويلي إن الصورة الكاملة من بعيد بتخلينا نشوف المُجمل الحلو بتاعهم، في حين إن القُرب أوي منهم بيخلينا نشوف الوحش المتداري (اللي عندنا كلنا بالمناسبة)، السر كله في المسافة، المسافة يا شيماء.


بتسأليني (ازاى واحنا عارفين اننا كلنا مش كاملين , برضه بنصمم نقرب أوى من دايرتهم , وفاكرين أننا هنشبع منهم أكتر بكدا , مع أن دا بيخلينا ننفر منهم ونبعد. احنا ازاى بنبقى عارفين الحل ونعمل عكسه ؟!)


هأجاوبك إن زي لما بنحب أوي حاجة حلوة، فنفضل ناكل فيها لحد ما تجزعلنا نفسنا. أو زي ما نحب أغنية أوي، فنسمعها عشرين مرة ورا بعض لحد ما نكرهها. دي حاجة نازلة في السيستم بتاعنا برضه.

أنا بس هأفكرك إنك قلتي الآتي:
"
احنا أصلا كبنى آدمين عبط جداً , وبنفتكر أننا فاهمين الدنيا , والموضوع بيطلع عكس ما احنا شايفينه خالص , بيطلع أكبر. عارفة الدعاء بتاع " اللهم أشغل قلبى بما يرضيك " بحسه أنسب دوا لوجع القلب اللى م النوع دا لإرهاق التفكير اللى بيجيلنا عشان تايهين ف جمال عبيده. ننبهر بيهم ماشى , نتوه ف جمالهم أوكى , انما نسيب اللى ورانا واللى قدامنا عشان نسرح ف كل كل وأدق تفاصيلهم , قال ايه عشان نشبع فضولنا! هو دا بقا اللى اسمه بيتهيألى تهلكة .. تهلك قلبك معاهم وتشغله بحاجة تدوخه .."

صدقيني، في مكان ما في الدُنيا دلوقتي فيه حد قاعد بيفكر فيكي، ونفسه يقرّب منك، وشايف فيكي الحلو اللي يبهره، وانتي مش حاسة بيه. متهيألي لو اعتبرنا إن اللي بيحصلنا تكفير ذنوب، وحق حد تاني، هنرتاح شوية.

ربنا ما يشغل قلوبنا بغيره يا شيماء. ربنا ما يشغل قلوبنا بغيره.


واكفينا شر العشق في المُطلق
وعشق الحاجات المُهلكة
والحيرة ع الحافّة
واكفينا شر تُقل الروح
ولجم اللسان م البوح
وشر الغُنا المبحوح
وشر البُكا المفضوح
وارزقنا بالخفة.
ــــ هديل عبد السلام

هناك تعليق واحد: