الأحد، 27 أبريل 2014

هي



بسماعات الأذن خاصتها فوق أذنيها، وبأصابع يديها التي تنفر عروقها خضراء اللون منها، نقرت مرتين فوق أيقونة أغنيتها المفضلة أنه تبدأ لتسمعها، ودون أن تدري مقصدها راحت تعدو بأطراف أناملها الرفيعة فوق لوحة المفاتيح لتجمع حروف اللغة الثمانية وعشرين بترتيب مختلف ومسافات غير منتظمة فتكون جُمل قصيرة تصف حالتها الآن، دون غاية.
"نص راحة" همست أصالة بأذنيها، لتوحي لها بأنه ليست الحياة هي الكمال، فما هي إلا نصفٌ نحصل عليه الآن ليقرر ماهيه النصف الآخر، الذي لا يتساوى مع الأول.

كم هي بعيدة الآن عما يسمى الآن الماضي، ولكنه مازال يسيطر عليها، على كيانها على وجه التحديد. فكيف لبضع سنوات أن تتحكم بمصير فرد؟ أو الأسوأ، بأحلامه.
لا تعتقد هي أنها ستجد حبًا صافيًا كالسابق الذي لم تنتظر منه شيئًا أبدًا سوى مثله. دون متطلبات الإرتباط وما شابه.

سئمت نشد التغيير دون تغيير. سئمت القرارات المؤجلة، والوعود التي تبقى وعود.
لم تعد تعرف ما الذي يمكن أن يُرضيها، فلم تعد قادرة على تحديد ما يسعدها حتى، ما الذي يمكن أن تنتظر أن تناله من الدنيا؟ وما الذي يمكن أن تعطيه لها الدنيا أصلًا لتنتظره؟
لعمري أنه لو نالت كل ما تمنته يومًا، حتى ذلك الحب الذي كان يومًا، أنها لن ترضى.
تذكرت دعاءُ ما كانت تدعو به في كل سجدة -أيام ما كانت تحرص على الصلاة- أنه اللهم ارضني وارض عني.

ولم ترض، ولا تعلم إن كان الله قد رضي عنها، ولكنها لا تفعل ما يستوجب الرضى، ولم تسعى كما يجب، بل إنها -حتى- لم تسع أصلًا.

وبالرغم من كل ما سبق، تبقى هي كما هي، ولا تحاول أن تتخلص منها، لتأتي بأخرى سليمة تستطيع أن تنهض بمواجهة العالم.
"أحبيني بطهري أو بأخطائي" يتغنى القيصر بكلمات نزار الآن في أذنيها، وهي تفكر أنه سيكون جدًا جميل لو أنها استطاعت أن تحب نفسها بطُهرها أو بأخطائها، هي أمرأة بلا قدر في مدينة شبعت من الموت. أقلت امرأة؟ لا هي ليست امرأة، هي مازالت مراهقة صغيرة، مازلت طفلة، تتسائل كيف وتتلعثم خجلًا وتتساقط خوفًا. لا هي ليست امرأة بالطبع فمازالت تبكي حينما تُترك وحدها. مازالت تخشى الظلمة وتطلب من أمها أن تحكم الغطاء حولها ليلًا كي لا تتسل العفاريت إليها. مازالت تطلب من كل من يعرفها أنه "اسألوا عليا"، وحينما لا يفعلون تسألهم ببراءة فتاة تعلمت الكلام للتو "انتوا بتكرهوني؟"

هي تمتلك من الهشاشة ما يشبه خيوط العنكبوت، متقنة الصنع وجميلة، صامدة في مواجهة مثيلاتها من الكائنات الدقيقة، وتنهار تمامًا في مواجهة البشر.

هي التي تكتب وتمسح ما كتبته، وهي التي تكتب لتنسى، لتزيل عبء الذكريات من فوق قلبها لتفرغه على الورق وتحمله بعيدًا بعيدًا عنها، فأجدها تكتب عن كل ما يسيء إلى روحها ولا تكتب عما يسعدها. هي التي تبقى هي. هي المُرهقة حقًا.

هي أنا ولا يوجد علاج لذلك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق