الأحد، 11 مايو 2014

نعم مازلت أُحبك ولكن أُحب نفسي أكثر



معقوصة الشعر، يميل إلى الجانب الأيسر عنه إلى اليمين، جلست تنتظره.
على مقعد بحديقة بوسط المدينة -مكانً كان يومًا يشهد اللقاءات الجميلة بينهما-، تتساقط أوراق أشجارها بيأس فوق حشائشها الهزيلة، غائمة السماء لتُناسب حزنها، وتنذر بسقوط أمطار مثلما تنذر بتساقط دموعها، بكثير من الكحل تحت عيناها ليخفي آثار بُكاء الليلة الماضية، بتتابع النقر بأصابعها فوق حقيبتها التي تحتضنها لعلها تبعث في نفسها شيئًا من الونس، أو لعلها تستشعر إهتزازات هاتفها إذا أتصل -بالرغم من أنه أبدًا لا يتصل-، جلست تنتظره.
فترة وجيزة من الزمن تفصلها عن قرار مصيري، لا تعلم الاختيارات المتاحة إليها بعد، لا تعلم كيف وصلت إلى هنا، لا تعلم حتى كيف تركت شخصًا غريبًا تمامًا عنها يكون لها كل شيء وأكثر.
يكون لها كل الحب وأكثر.
يكون لها كل الحياة وأكثر.
“وحين تغيب ،
تتوقف الحياة عن الحياة ..”
نبال قندس

تطاردها الذكريات مشاهد تُعرض في عقلها كشريط سينمائي لفيلم طويل عُمره بنصف عُمرها، مشهد أول لقاء بسترته الزرقاء وفستانها الأسود طويل الرقبة، مشهد المكالمة الأولى على استحياء، مشهد أول عشاء في مطعم على النيل، أول إقرار بالحب بجملة مسطورة بين صفحات روايتها المُفضلة التي استعارها منها، مشهد أول الوعود بالبقاء معها إلى الأبد، وما يليه من وعود بكون أمانها وسندها وأنفاسها وما يجري في شرايينها، مشهدها وهي تبكي في أحضانه بعد وفاة والدتها وهو يمسح على شعرها كفتاة صغيرة، مشاهد انكساراتها الصغيرة أمامه دون خجل، مشهد أول خلاف بسبب سفره لخمس سنوات إلى حيث يصعب اللقاء،ثم الليالي التي قضتها وحيدة معه، مشاهد تراها لأول مرة بشكل مختلف.

في تجميعها أدركت ما لم تكن تدركه، هو استولى على حياتها واحتل خفيقها، تركته يتسرب إلى كيانها بالتدريج حتى اختفت ملامح حياتها كاملةً فيه، ماتت هي يوم أحبته وولدت أخرى لم تعد تأبه بكل ما لا يتعلق به، أخرى لا تملك من أمرها شيء، أخرى لا تملك كيانًا كتلك التي ماتت والتي ولكي تحيا لابد أن يموت حُبها ذاك.

يأتي هو أخيرًا ليظهر في المشهد من بعيد، يبحث عنها بعيناه، يتعجب من كونها تتأخر وهي التي دائمًا ما تظهر قبل موعدها، يذهب إلى حيث اعتادا أن يجلسا سويًا على المقعد المواجه للبحيرة، يجد هاتفها وحيدًا ، يمسك به ليجد رسالةً بعثتها هي إلى نفسها، يقرأها، فيبتسم، ثم يرحل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق